
عجائب عبدالقدوس
١٥ مايو عام ١٩٧١ ..
أراها لحظة فارقة في تاريخ مصر ..
إنه اليوم الذي أحكم فيه الرئيس “السادات” قبضته على السلطة بعدما نجح في القضاء على خصومه ..
وبعدها بدأت تغييرات كبيرة في بلادي ووضع جديد تماماً.
وأول تغيير عظيم ويستحق عشرة على عشرة جاء في سبتمبر من نفس العام ..
يعني بعد أربعة أشهر فقط بعدما أصبح الحاكم الأوحد ..
وأظنه لا يخطر على بالك ويتمثل في أنه أعاد أسم مصر إليها !!
وكانت بلادنا ولمدة ١٣ عاماً وسبعة أشهر تسمى الجمهورية العربية المتحدة !!
منذ إعلان الوحدة مع “سوريا” في فبراير عام ١٩٥٨ ، وهو أسم “بايخ” وثقيل عندما تسمعه !
وكانت من أوائل قراراته الكبرى رحمه الله أن أعاد أسم بلادي لتصبح جمهورية مصر العربية ..
ويدخل في دنيا العجائب أنه في عصر التراجع والحداثة والفرقة قرأت من يطالب بإزالة كلمة العربية !!
والرئيس”أنور السادات ” رحمه الله أختلف المثقفون حوله بشدة كما حدث مع “عبدالناصر ” ..
وفي يقيني أن لكل رئيس إنجازاته الكبرى تراها خاصة في بداية عهده ثم تتراكم الأخطاء نتيجة لعدم وجود ديمقراطية حقيقية تكشفها وتتحول إلى خطايا وكوارث.
وإذا جئنا إلى”السادات ” ترى من إنجازاته الكبرى في سنواته الأولى خاصة عودة أسم مصر إليها ..
وقبل ذلك لم يكن هذا الإسم الحبيب يتردد سوى “بنك مصر” !!
أو “بسكو مصر” !!
ومن أهم ما فعله أيضاً رفع الظلم عن المظلومين وتمثل ذلك في أمرين ..
الإفراج عن المعتقلين ، وبداية رفع الحراسات عن الأغنياء الذين خضعوا للتأميم بمقتضى القرارات الإشتراكية الصادرة عام ١٩٦١ ..
وأعاد للقضاء هيبته وإستقلاله ، والقضاة المفصولين إلى أعمالهم وكانوا قد طردوا من وظائفهم بعد إعتراضهم على إلحاق القضاء بالإتحاد الإشتراكي !!
وذروة نجاحه رحمه الله كانت حرب أكتوبر ، وتحرير سيناء الغالية ، والنجاح في عبور القناة بعد إقتحام خطوط الصهاينة الدفاعية وكانت حصينة جداً وبدت من المستحيل إسقاطها لكن جيشنا العظيم فعلها.
ولا أريد الدخول في جدل حول إنجازاته ، لكنه بلاشك زعيم تاريخي ..
وآثاره ممتدة حتى هذه اللحظة ، و”السادات” هو الذي وضع أساس نظام الحكم القائم حتى هذه اللحظة.
وألخص ما أقصده في نقاط محددة ..
١ـ القضاء على الإتحاد الإشتراكي والعودة من جديد إلى نظام الأحزاب السياسية التي كانت من السمات الأساسية للنظام الملكي ، وقضت الثورة عليها بعد أقل من سنة من قيامها في يناير ١٩٥٣ ..
وكان من المستحيل أن يتصور أحد أنها ستعود من جديد بعد ٢٣ سنة من إلغاءها وذلك عام ١٩٧٦.
٢ـ العودة من جديد إلى النظام الرأسمالي الكامل وكانت الإشتراكية وسيطرة الدولة على الإقتصاد وكل وسائل الإنتاج هي السائدة لسنوات طويلة وتحديداً لمدة ١٣ سنة .. من عام ١٩٦١ عام القوانين الإشتراكية وحتى عام ١٩٧٤ حينما صدر قانون ما يسمى بالإنفتاح ..
وللأسف رأيناه “سداح مداح” دون وضع ضمانات صارمة لمنع الفساد والإفساد والكسب غير المشروع ، وترتب على ذلك عودة نظام الطبقات وإتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وهجرة ملايين المصريين إلى دول الخليج والسعودية ..
ثم الهجرة إلى أوروبا و أمريكا وكندا ..
ومازالت الهوة تتسع حتى هذه اللحظة وفشلت كل الإجراءات في الحد منها ..
فالفقراء إزدادوا فقرا والأغنياء تراكمت ثرواتهم أكثر لدرجة لا تتعجب عندما تقرأ أن فلان الباشا الملياردير تكلفت حفل زفاف أبنته كذا مليون دولار !!
وبالطبع أولاد الباشوات الجدد يدرسون في مدارس وجامعات دولية ممنوع على الفقراء الإقتراب منها.
٣ـ وفي الصراع مع العدو الصهيوني كانت قد حدثت كارثة عام ١٩٦٧ بهزيمة يونيو التي أضاعت القدس وسيناء وأراضي فلسطين ..
و”ناصر” رحمه الله يتحمل مسؤولية أساسية فيها رغم أن أنصاره يرفضون ذلك !!
وكان أداء “السادات” جيد جداً في حرب أكتوبر لكن قراراته السياسية حول كيفية مواجهة إسرائيل سياسياً أثارت جدلاً واسعاً ..
خاصة بعد زيارته لإسرائيل وإتفاقية “كامب ديفيد” ..
وسياسة مصر حتى الآن ملتزمة بالأساس الذي وضعه الرئيس الراحل في العلاقات مع بني إسرائيل الذين لا يعرفون عهداً ولا ذمة.
وهذه التقاط الثلاث تؤكد بوضوح أن النظام المصري القائم حتى الآن في مختلف جوانبه وضع أسسه الرئيس الراحل “أنور السادات” ولذلك يدخل في دنيا العجائب أن تمر ذكرى إنفراده بالسلطة في ١٥ مايو عام ١٩٧١ من كل عام في صمت يدعو للغيظ لأنها كانت لحظة فارقة في تاريخ مصر .. أليس كذلك ؟؟