إغلاق مواقع ثقافية حيوية يهدد بنسف الهوية الثقافية في مصر الآن

أعلن مصدر مطلع في الهيئة العامة لقصور الثقافة عن توجهات حاسمة قد تهدد حاضر ومستقبل الثقافة في مصر وسط صمت رسمي محير وتخبط إداري واضح
أكد مصدر إداري أن الهيئة العامة لقصور الثقافة أصدرت تعليمات تنفيذية ملزمة لرؤساء الأقاليم الثقافية، تقضي بإخلاء عدد من المواقع المؤجرة، بينها مكتبات وبيوت ثقافة، على أن تتم عملية إعادة توزيع العاملين قبل تاريخ 29 مايو 2025، بناءً على موافقة مجلس إدارة الهيئة في جلسته رقم 324 المنعقدة بتاريخ 5 مارس 2025، والمُعتمد محضرها من وزير الثقافة بتاريخ 13 مارس 2025
لفت التقرير إلى أن هذا القرار الصادر بضغط من الجلسة رقم 324 وما تبعها من أوامر تنفيذية برئاسة مساعد وزير الثقافة، اللواء خالد اللبان، يأتي في وقت يشهد فيه القطاع الثقافي حالة شديدة من التراجع، وسط محاولات وصفها الكثيرون بالسطحية للالتفاف على الأزمة باستخدام المسرح المتنقل والتطبيقات الرقمية
أشار مراقبون إلى أن خطة الهيئة شملت إدخال 14 مسرحًا متنقلًا إلى الخدمة بينها 8 مسارح خلال عام 2025 وحده، وتوزيعها على الأقاليم، بجانب التوسع في استخدام المكتبات المتنقلة ذات الأنشطة الفنية، إلا أن الواقع العملي يؤكد ضعف هذه البدائل في التأثير الحقيقي على الأرض
أوضح متابعون أن المكتبات المؤجرة، التي لا تتعدى تكلفة إيجار بعضها 50 جنيهًا شهريًا، أصبحت مستهدفة بالإغلاق الكامل رغم أن بعضها يمثل المنفذ الوحيد للثقافة في القرى والنجوع، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى القرار وتوقيته ودوافعه
استرسل التقرير في استعراض القرارات الإدارية الداعمة لهذه التوجهات، مشيرًا إلى استناد الهيئة في تنفيذ الإخلاءات إلى عدد من القرارات الوزارية أبرزها رقم 59 لسنة 2025، وقرار وزير الثقافة رقم 197 بتاريخ 19 مايو 2024، وقرار رقم 280 بتاريخ 8 يوليو 2024، إلى جانب توصيات اللجنة المشكلة بقرار رقم 571 لسنة 2024، ما يؤكد أن القرار ليس عشوائيًا بل يأتي ضمن رؤية ممنهجة
أعلن مسؤول بالهيئة أن المواقع التي سيتم الإبقاء عليها هي فقط التي تضم أندية أدب أو فرقًا فنية وتؤدي دورًا فعالًا في مناطق مكتظة بالسكان، وأن مديري الفروع ورؤساء الأقاليم سيتولون تحديد هذه المواقع وفق معايير لم تُعلن بعد مما يثير الريبة والشك
زعم متابعون أن هذا البيان الأخير الصادر عن الهيئة لا يعدو كونه محاولة لتهدئة الأجواء الساخنة بعد الثورة الغاضبة التي أطلقها الأدباء والمثقفون خلال الفترة الأخيرة، في ظل تجاهل تام من بعض الأقاليم التي لم تصدر بيانات توضيحية، ما يعكس حالة ارتباك واضحة في التنفيذ
أشار تقرير داخلي إلى أن بعض المكتبات والبيوت الثقافية كانت تؤدي دورًا حيويًا رغم بساطة الإمكانيات، إلا أن غياب الدعم وتجاهل تقارير المتابعة أدى إلى انهيار تدريجي لهذه المؤسسات
استدرك التقرير أن بعض المسؤولين استخدموا منصات التواصل الاجتماعي كغطاء لتبرير استمرار النشاط الثقافي الوهمي، حيث يتم بث عروض فنية وموسيقية على الصفحات الرسمية دون وجود جمهور حقيقي، وأحيانا يتم تسويق هذه العروض كإنجازات رغم أنها تجري في قاعات فارغة أو مراكز شباب بعيدة عن الكثافة السكانية
أوضح التقرير أن عرضًا للآلات الشعبية جرى يوم 9 مايو 2025 في مركز شباب الشيخ شبل بالمراغة بتكلفة 715 جنيهًا، لم يحضره جمهور، كما نُظم عرض لكورال الطفل يوم 2 مايو بتكلفة 375 جنيهًا، حضره 4 أطفال فقط، في حين أدرجت أسماء 10 إلى 12 طفلًا في التسوية المالية للعرض


أضاف مراقبون أن ميزانية هذه العروض المحدودة كانت كافية لتغطية إيجارات عدة مواقع ثقافية صغيرة كانت تقدم خدمات حقيقية لجمهور حقيقي، لكن تم إهمالها لصالح العروض الشكلية والتوثيق الرقمي الموجه للإعلام فقط
أكد المتابعون أن بعض نوادي الأدب لا تزال تحاول الصمود مثل نادى الأدب بمكتبة رفاعة الطهطاوي الذي يعقد اجتماعات أسبوعية، لكن المسؤولين عن الإعلام والمتابعة يتجاهلون توثيق هذه الفعاليات، مقابل الترويج لعروض مصطنعة لا تحقق أي أثر ثقافي فعلي
نوه مراقب ثقافي إلى أن اعتماد الهيئة على تطبيق “توت” الذي يوفر مجلات وكتب للأطفال مجانًا، وكذلك تطبيق إلكتروني جديد قيد الإطلاق للوصول إلى المناطق البعيدة، لا يمكن أن يعوض الإغلاق الفعلي للمنشآت الثقافية التي كانت تشكل النواة الأساسية للحراك المعرفي في المحافظات
أعلن مصدر مطلع أن الهيئة تخطط لافتتاح مواقع ثقافية جديدة منها قصر ثقافة أبو سمبل وبيت ثقافة أخميم وقصر ثقافة أبو قرقاص وبيت ثقافة قاطية وقصر ثقافة نخل وقصر ثقافة المحلة وحلوان وقصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي، لكنها حتى الآن لم تعلن جدولًا زمنيًا دقيقًا لهذه الافتتاحات
لفت التقرير إلى أن هذه المشاريع المستقبلية لا تغطي حجم الفراغ الثقافي الذي سينتج عن إغلاق عشرات المواقع الحالية، خاصة أن بعض القرى كانت تعتمد بشكل كامل على تلك البيوت المتواضعة كمصدر للمعرفة والفن
أجاب أحد المثقفين بسؤال جوهري حول مغزى تقليص المساحات الثقافية الحقيقية في مقابل تضخيم وسائل رقمية وهمية لا تصل إلى جمهور محدود أصلا يفتقر إلى أدوات الوصول التكنولوجي
استنكر متابعون ثقافيون الطريقة التي أُدير بها هذا الملف مؤخرًا، معتبرين أن غياب الشفافية والتواصل مع المجتمع الثقافي المحلي هو أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمة، إذ لم تُطرح هذه القرارات للنقاش العام، ولم يتم إشراك المجتمع المثقف في صياغة حلول بديلة
أردف تقرير خاص أن وزارة الثقافة تسير على خطى الترشيد المالي دون رؤية اجتماعية شاملة، وأن تقليص النشاطات والاعتماد على فرق مأجورة يؤجرها القائمون على العمل للجهات الراغبة مثل نقابة الأطباء، يحول قصور الثقافة من أدوات للتنوير إلى مجرد خدمات مدفوعة بلا مضمون
اتهم بعض المثقفين الإدارة الحالية بأنها تستعيد منطق العقاب الجماعي وإقصاء الكفاءات، كما حدث في تجارب دولية كارثية، مشيرين إلى ما قاله وزير الصناعة السوفيتي في عهد غورباتشوف بأنه طُلب منه اختيار أضعف الكفاءات لإدارة المؤسسات ففعل، مما ساهم في انهيار المنظومة
أوضح المهتمون بالشأن الثقافي أن قرارات مثل تلك تمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على الحركة الأدبية والفنية في مصر، بل على مفهوم الهوية الوطنية ذاته الذي تأسس لعقود على قيم المعرفة والقراءة والنقاش الحر في قصور الثقافة
أعلن مصدر رقابي أن التقارير الشهرية التي تُرفع من فروع الهيئة إلى المركز أصبحت مليئة بمخالفات واضحة تتعلق بتسوية المصروفات وتوثيق الأنشطة، في غياب تام للمحاسبة أو التدقيق من الأجهزة الرقابية المعنية
لفت مراقبون إلى أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين المجتمع المحلي والهيئات الثقافية، خصوصًا في المناطق الريفية والمهمشة التي كانت تعتمد على تلك البيوت كمصدر وحيد للتنوير
ختم التقرير بالتأكيد على أن الحل لا يكمن في تقليص النفقات أو استبدال المكتبات بالمسرح المتنقل، بل في إعادة النظر في فلسفة الثقافة الرسمية بالكامل، والتوجه إلى نموذج يدمج الرقمي بالحقيقي، ويعيد بناء الثقة مع القاعدة الثقافية المحلية بعيدًا عن الشكليات والاستعراضات الإعلامية