العالم العربي

هيومن رايتس ووتش تحذّر خطة إسرائيل لتدمير قطاع غزة بالكامل تُعد تصعيداً قد يرقى إلى جرائم إبادة جماعية.

في بيان جديد أصدرته اليوم، أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنّ الخطّة الإسرائيلية الرامية إلى هدم ما تبقّى من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة وحصر 2 مليون فلسطيني في منطقة واحدة أصغر تُعدّ خطوة خطيرة في سلسلة أفعال ترقى إلى التطهير العرقي والجرائم ضدّ الإنسانية، وتستدعي تدخّلاً دولياً عاجلاً.

منذ 75 يوماً تمنع السلطات الإسرائيلية وصول الغذاء والوقود والمعدّات الطبية إلى القطاع، وتُمهّد الآن لخطة تُلزم السكّان بالانتقال القسري إلى ما يُسمّى “منطقة إنسانية” إذا لم تُبرم صفقة مع حركة “حماس” بحلول منتصف مايو/أيار 2025. وتطالب “هيومن رايتس ووتش” الحكومات المؤثّرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، بتبنّي إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات.

توصي المنظمة الدول الأطراف في “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية” بما يلي: • تعليق مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى إسرائيل.
• فرض عقوبات موجّهة على المسؤولين الإسرائيليين الضالعين في التخطيط أو التنفيذ.
• إعادة تقييم الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل والنظر في تعليقها.
• دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها الجارية بشأن جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يأتي التحذير في وقتٍ تُصنَّف فيه غزة كأحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في 12 مايو/أيار عن “خطر شديد” بحدوث مجاعة وشيكة قد تطال واحداً من كلّ خمسة أشخاص خلال أسابيع، فيما سجّلت منظمة الصحة العالمية وفاة ما لا يقل عن 57 طفلاً جرّاء سوء التغذية منذ بدء الحصار.

قالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ استمرار الهجمات على البنية التحتية المدنية، ومنع وصول المساعدات، والتهجير القسري الجماعي، كلّها عناصر تشكّل نمطاً ممنهجاً يُقارب تعريف الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي.

“الوقت ينفد لغزة. على المجتمع الدولي أن يتحرّك الآن، قبل أن يُمحى القطاع عن الخريطة”، يؤكد التقرير.

“لا يكفي إبداء القلق في البيانات الدبلوماسية؛ المطلوب اليوم إجراءات ملموسة تمنع إزهاق مزيد من الأرواح”، تختم المنظمة.


فيديريكو بوريلو، المدير التنفيذي الانتقالي لـ”هيومن رايتس ووتش”:
“يتباهى مسؤولون إسرائيليون بخططهم لحشر سكان غزة في مساحة ضيّقة وجعل بقية الأرض غير صالحة للسكن. يجب أن يُقرَع جرس الإنذار في لندن وبروكسل وباريس وواشنطن؛ فالحصار تجاوز كونه تكتيكاً عسكرياً ليصبح أداةً للإبادة”.

وأشارت المنظمة، إلى أن وزير “الدفاع الإسرائيلي” إسرائيل كاتس، قد كرر منتصف أبريل/نيسان أن سياسة “إسرائيل” واضحة: “لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة”. أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فقال: “طالما أن رهائننا يموتون في الأنفاق، فلا يوجد أي سبب على الإطلاق للسماح حتى بغرام واحد من الطعام أو المساعدات”.

ودعت “هيومن رايتس ووتش”، “الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى الإفراج فورًا وبأمان عن جميع المدنيين المحتجزين، كما طالبت السلطات الإسرائيلية بالإفراج الفوري عن الفلسطينيين المحتجزين بشكل غير قانوني”.

وأشارت المنظمة، إلى أنه في أوائل مايو/أيار، وافق “المجلس الوزاري الأمني المصغر” بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خطة أُطلق عليها اسم “عربات جدعون”، تنص على تهجير قسري لجزء كبير من السكان الفلسطينيين في غزة، مع الاستيلاء على القطاع واحتلاله.

وأعلن نتنياهو، في 5 مايو/أيار أن “لن يكون هناك دخول وخروج”، فيما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو أيضا وزير في وزارة الدفاع وعضو في الحكومة الأمنية المصغرة، إن “إسرائيل ستحتل قطاع غزة أخيرًا”، مشيرًا إلى أن غزة “ستُدمر بالكامل” وسكانها الفلسطينيون “سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة”، وأن هذه الخطة ينبغي ألا تُعدَّل حتى لو تم إطلاق سراح الرهائن.

واعتبرت “هيومن رايتس ووتش”، أن هذه الخطط، عندما تُقرن بالتدمير المنهجي للمنازل، والمباني السكنية، والبساتين، والحقول، والمدارس، والمستشفيات، ومرافق المياه والصرف الصحي، واستخدام التجويع كسلاح حرب، تُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وترقى إلى أفعال إبادة جماعية. وأكدت أن هذا الواقع يُفعّل “واجب المنع” بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.

وأشارت المنظمة، إلى أن واجب منع الإبادة الجماعية ينشأ بمجرد أن تعلم الدولة، أو يُفترض أن تعلم، بخطر جسيم يتمثل في احتمال ارتكاب إبادة جماعية، ولا يُشترط صدور قرار نهائي بأن الإبادة الجماعية جارية فعليًا. جاء ذلك ضمن مداخلة للمنظمة في أبريل/نيسان 2025 في قضية معروضة أمام المحاكم البريطانية للطعن في استمرار ترخيص تصدير المعدات العسكرية إلى إسرائيل.

وتطرقت “هيومن رايتس ووتش”، إلى خطة إسرائيلية-أمريكية جديدة تقترح الاستعانة بمتعاقدين عسكريين من القطاع الخاص لإيصال المساعدات إلى أجزاء معينة فقط من غزة، معتبرة أن هذه الخطة تهدف إلى ترسيخ السيطرة على المواد التي تحافظ على الحياة كأداة للضغط السياسي، وتُكرّس التهجير القسري.

وأكد القائمون على التصنيف المرحلي المتكامل أن الخطة لا تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان، وأن فجوات كبيرة تعيق وصول المساعدات إلى الفئات الأضعف.

وقد تم بالفعل تهجير الغالبية العظمى من سكان غزة، واتخذت السلطات الإسرائيلية التهجير القسري كسياسة دولة، مما جعل القطاع غير صالح للعيش بشكل شبه كامل. وأكد المسؤولون الإسرائيليون أن المناطق التي يتم إخلاؤها من الآن فصاعدًا ستتبع “نموذج رفح”، وهو تعبير ملطف لتدمير البنية التحتية المدنية.

وأشارت المنظمة، إلى أن اتفاقية الإبادة الجماعية تلزم الدول الأطراف باستخدام كل الوسائل الممكنة والمعقولة لمنع الإبادة الجماعية. وحذّرت من أن الدول الأطراف في الاتفاقية، ومنها الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، تواجه خطر المسؤولية القانونية إذا لم تتخذ خطوات جادة لمنع الإبادة في غزة. وأشارت إلى قرار محكمة العدل الدولية عام 2007، الذي أكد أن الالتزام بمنع الإبادة ينطبق خارج الحدود الإقليمية.

وذكرت المنظمة، أن وكالات الإغاثة تملك 171 ألف طن متري من الأغذية المخزنة مسبقًا في المنطقة، تكفي لإعالة مليوني شخص لمدة 3 إلى 4 أشهر، لكن إسرائيل منعت دخول هذه المساعدات منذ 2 مارس/آذار 2025. وقد توقفت المخابز والمطابخ المجتمعية ومنظمات مثل “برنامج الأغذية العالمي” و”المطبخ المركزي العالمي” عن العمل بسبب نفاد مخزون الأغذية.

وتقضي العائلات ساعات في انتظار كميات قليلة من الماء أو الدقيق الفاسد. وتشير بيانات الرابطة الدولية للمياه إلى أن 90% من الأسر عانت من نقص شديد في المياه خلال النصف الأول من أبريل، وغالبًا ما كانت تضطر إلى الاختيار بين الاستحمام، أو التنظيف، أو الطهي. ومن المرجح أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت بسبب منع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية ومضخات الآبار.

ورأت المنظمة أن السلطات الإسرائيلية جعلت من المستحيل فعليًا إيصال المساعدات، كما أن أوامر الإخلاء المتكررة أدت إلى محاصرة المدنيين في مناطق معزولة دون طعام أو ماء. ووفقًا لمسح أجرته منظمة “ريليف ويب”، فقد اضطرت 95% من منظمات الإغاثة العاملة في غزة إلى تعليق خدماتها أو تقليصها بشكل كبير منذ تصعيد القتال في 18 مارس/آذار، بسبب القصف الواسع والقيود الإسرائيلية.

وذكّرت المنظمة بأن “محكمة العدل الدولية” أصدرت ثلاث مجموعات من التدابير المؤقتة في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل”، غير أن السلطات الإسرائيلية تجاهلت جميع هذه الإجراءات.

وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إن استمرار مبيعات الأسلحة والدعم العسكري والدبلوماسي لـ”إسرائيل”، رغم الأدلة الواضحة على ارتكاب جرائم خطيرة، يُعرّض الحكومات والمسؤولين لخطر التواطؤ في هذه الجرائم. ودعت الحكومات إلى وقف فوري لنقل الأسلحة، ودعم جهود المساءلة الدولية، بما في ذلك تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

وشددت على ضرورة مراجعة الاتفاقيات الثنائية مع “إسرائيل”، بما فيها اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل”، التي تنص على أن “احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية” هو “عنصر أساسي” في الاتفاق. وتحظى هذه الدعوة بدعم من دول أوروبية عدة مثل إسبانيا، إيرلندا، البرتغال، بلجيكا، السويد، سلوفينيا، فرنسا، فنلندا، وهولندا.

وطالبت المنظمة بمراجعة اتفاقية الشراكة التجارية البريطانية-الإسرائيلية، وخارطة الطريق البريطانية لعام 2030 للعلاقات الثنائية، بما في ذلك إزالة البنود التي تحمي إسرائيل من المساءلة.

واختتم بوريلو، بقوله: “الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية قد التزمت ليس فقط بمعاقبة مرتكبيها، بل أيضًا بمنع وقوعها. التقاعس عن منع السلطات الإسرائيلية من تجويع المدنيين في غزة وجعل القطاع غير صالح للحياة يتناقض تمامًا مع جوهر الاتفاقية”.

وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.

وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب “إسرائيل” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 173 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى