العالم العربي

إلغاء زيارة نتنياهو للفاتيكان بعد مخاوف من تنفيذ مذكرة الجنائية الدولية

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلغاء زيارته المقررة إلى الفاتيكان لحضور حفل تنصيب البابا ليو الرابع عشر، وذلك بعد تلقيه ردوداً “غير مطمئنة” من روما والفاتيكان بشأن حصانته من مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في نوفمبر 2024.

في خطوة غير مسبوقة تؤكد اتساع نطاق الضغوط القانونية الدولية، أبلغت مصادر دبلوماسية صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن السلطات الإيطالية لم تقدّم ضمانات واضحة حول عدم توقيف نتنياهو فور دخوله الأراضي الإيطالية أو الفاتيكانية، ما دفعه إلى العدول عن حضور مراسم التنصيب. تأتي هذه التطورات في ظل استمرار التحقيقات الدولية حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وهي الحرب التي أودت بحياة نحو 173 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافةً إلى أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض.

تعود القضية إلى 21 نوفمبر 2024 حين أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت على خلفية مسؤولياتهما المزعومة عن عمليات القتل العشوائي، التدمير الواسع، التهجير القسري، والتجويع المتعمد لسكان غزة. ورغم أن إسرائيل ليست دولة طرفاً في نظام روما الأساسي، يمكن تنفيذ أوامر المحكمة على أراضي أي دولة عضو أو دولة تتعاون مع المحكمة وفق اتفاقيات ثنائية أو مذكرات تفاهم مع لاهاي.

المصادر القانونية تشير إلى أن إيطاليا ملزمة قانونياً بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بصفتها دولة طرف في النظام الأساسي. وبحسب خبراء، فإن أي ضمان رسمي من روما بتجاهل مذكرة الاعتقال كان سيضع الحكومة الإيطالية في مواجهة مباشرة مع التزاماتها الدولية ويعرضها لإجراءات قانونية داخل الاتحاد الأوروبي.

على الصعيد السياسي، يواجه نتنياهو مأزقاً داخلياً متزايداً مع تزايد الانتقادات العالمية وتصاعد الدعوات لمقاطعة حكومته. ويرى مراقبون أن الإلغاء يعكس تحوّلاً ملموساً في البيئة الدبلوماسية التي لطالما اعتمد عليها القادة الإسرائيليون منذ عقود، حيث غدت زيارة عاصمة أوروبية محفوفة بمخاطر الاعتقال لأول مرة في التاريخ الإسرائيلي الحديث.

في الداخل الإسرائيلي، لم يصدر عن مكتب نتنياهو سوى بيان مقتضب أفاد بأن “التزامات جدول الأعمال” حالت دون المشاركة، متجنباً الإشارة إلى ملف الاعتقال. غير أن مصادر حكومية أكدت أن الفرق القانونية في ديوان رئاسة الوزراء تدرس خيارات الطعن والضغط السياسي على الدول الأعضاء في المحكمة لمنع تطبيق المذكرة.

اقترب موعد تنصيب البابا ليو الرابع عشر ليشكّل اختباراً مبكراً لعلاقات الفاتيكان مع حكومة نتنياهو، التي سعت في الآونة الأخيرة إلى حشد دعم مسيحي-إنجيلي في الغرب لموازنة الانتقادات الأوروبية المتزايدة.

“الأمر لم يعد مجرد حرج دبلوماسي؛ إنه حدث قانوني مفصلي يوضح أن الإفلات من العقاب يضيق يوماً بعد يوم”، تقول كارين حليوه، أستاذة القانون الدولي في جامعة تل أبيب. “العبرة أن الدول لا تستطيع تجاهل مذكرات المحكمة الجنائية دون دفع ثمن سياسي وقانوني باهظ”.

محمد عسّاف، مدير “المرصد العربي للعدالة الدولية”، قال: “إلغاء الزيارة يُبرهن على جدية المسار القانوني في لاهاي، ويرسل رسالة حاسمة مفادها أن الجرائم ضد المدنيين لا تسقط بالتقادم، مهما عظم نفوذ مرتكبيها”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى