ثقافة وتاريخملفات وتقارير

انهيار مسرح الثقافة الجماهيرية بسبب فساد إداري وتجاهل الكفاءات الوطنية

لم يعد الانهيار الذي يضرب مسرح الثقافة الجماهيرية مجرد خلل عابر أو أزمة مؤقتة بل تحوّل إلى جريمة مكتملة الأركان تُرتكب يوميًا على يد قيادات تجهل أبجديات العمل الثقافي وتسحق بقراراتها الحمقاء كل ما تبقى من روح المسرح ورسالته على مدار سنوات طويلة

تحوّل هذا الصرح التنويري إلى أطلال بيروقراطية تتنفس الفشل وتفرز الرداءة وسط صمت قاتل من الجهات الرقابية وغياب تام للضمير المهني لتسود المحسوبية وتُقبر المواهب الحقيقية في مقابر الإقصاء واللامبالاة

أكد أحمد رفعت الباحث المتخصص في السياسات الثقافية أن تراجع أداء مسرح الثقافة الجماهيرية لا يعود فقط لنقص الموارد بل يرتبط مباشرة بإسناد المناصب لقيادات تفتقر للخبرة والمؤهلات المناسبة مما تسبب في تهميش دور المسرح كمؤسسة توعوية وتنموية

أوضح محمد خليل المتخصص في النقد المسرحي أن العروض المسرحية التي كانت تقام في 27 محافظة مصرية تراجعت بنسبة 85٪ خلال ثلاث سنوات فقط نتيجة غياب الرؤية الإبداعية والتخطيط الاستراتيجي واستبدال الموهبة بالولاء الشخصي في تولي المناصب

صرحت نجلاء السعيد أستاذة النقد المسرحي بإحدي الجامعات بأن المسرح فقد دوره الريادي بعد أن أصبح أداة بيروقراطية فارغة تقدم عروضًا نمطية لا تمس الواقع ولا تلامس القضايا الجماهيرية موضحة أن غياب التدريب وعدم دعم المواهب الجديدة أحد أبرز أسباب التدهور

استنكرت هبة عبدالعزيز الباحثة في الشؤون الثقافية المسرحية تدهور أوضاع الفرق المسرحية التابعة للثقافة الجماهيرية حيث تم إلغاء أكثر من 100 عرض في عام 2024 بسبب ضعف المحتوى وعدم جدية الإدارة مضيفة أن 43 قيادة تم تعيينهم خلال عامين دون خلفية ثقافية أو فنية

قال أيمن يحيى الباحث في الشؤون الثقافية إن الهيكل الإداري للمؤسسة بات يتسم بالعشوائية مشيرًا إلى أن تراجع عدد العروض من 1300 عرض سنويًا إلى أقل من 180 عرضًا في عام 2024 يعكس حجم الكارثة في إدارة هذا القطاع الحيوي

زعم “ط. ا.” أحد مديري الفرق المسرحية السابقين أن تعيين قيادات لا علاقة لها بالمسرح تسبب في طرد 120 كاتبًا وفنانًا من المشهد بسبب تجاهل أفكارهم وعرقلة مشاريعهم مؤكدًا أن المسرح لم يعد بيئة ملهمة بل أصبح عبئًا بيروقراطيًا على الدولة

نوه سمير بسيوني أستاذ الإعلام الثقافي إلى أن مسرح الثقافة الجماهيرية لعب دورًا وطنيًا هامًا في الستينيات والسبعينيات لكنه اليوم يتحول تدريجيًا إلى مجرد قاعات خاوية تُستخدم في الفعاليات الشكلية بلا جمهور أو محتوى مؤثر

أضاف محمود حسان الباحث الفني أن المسؤولين الحاليين لا يعرفون الفرق بين العرض المسرحي والتقرير الإداري مما أدى إلى هدم منظومة إنتاج العروض واختزال المسرح في ورش مجاملة لا علاقة لها بالفن أو بالثقافة

استعرضت هدى إمام الباحثة في الثقافة المجتمعية تأثير انهيار المسرح على وعي الشباب في المناطق النائية موضحة أن 70٪ من جمهور الصعيد والدلتا حُرموا من المسرح كأداة للتنوير بسبب تعنت القيادات الحالية وتجاهلهم لاحتياجات المحافظات

لفت يوسف عبدالسلام مؤلف وباحث ثقافي إلى أن المسرح فقد روحه بسبب إحلال المجاملات محل الكفاءات مستنكرًا تحويل المسرح إلى ساحة لتصفية الحسابات الوظيفية ومنح المناصب لمن يفتقرون للرؤية والمعرفة الأساسية بالمسرح وأهميته

شدد كريم درويش الباحث في السياسات الثقافية على أن القيادة الحالية تستخدم المؤسسة كأداة للترضيات السياسية والوظيفية مشيرًا إلى أن أغلب العروض التي تم تقديمها خلال العام الماضي لم تشهد حضورًا يتجاوز 5٪ من سعة القاعات

استدركت داليا راضي خبيرة التنمية الثقافية أن إصلاح الوضع يتطلب قرارًا شجاعًا بإقالة جميع القيادات غير المؤهلة وتشكيل لجنة عليا لإعادة هيكلة المؤسسة على أسس علمية ومهنية تضمن استعادة ثقة الجمهور والفنانين على حد سواء

أردف ماجد نجيب الباحث المسرحي أن المسرح الجماهيري يحتاج إلى قيادة تعي معنى المسرح لا مجرد موظفين يسعون للبقاء في مناصبهم مؤكدًا أن المسرح مؤسسة وعي لا يمكن أن تُدار بالقرارات الفردية أو الأهواء الشخصية

نفت نادية كمال الباحثة المسرحية أن يكون ضعف التمويل هو السبب وراء تدهور المسرح مشيرة إلى أن ميزانية المؤسسة لم تنخفض بل سوء الإدارة وإهدار المال العام هو ما أجهز على ما تبقى من بنية فنية وفكرية

أجاب إيهاب المصري المحلل الفني بأن الأرقام الصادمة حول تراجع الإنتاج المسرحي ليست إلا نتيجة طبيعية لمنظومة تفضل الولاء على الموهبة مضيفًا أن ما يحدث داخل مسرح الثقافة الجماهيرية يُعد جريمة بحق الثقافة المصرية

استرسل عادل كمال خبير التنمية الثقافية والمسرحية مستقلة في شرح خطورة استمرار الوضع الحالي موضحًا أن عزل المبدعين الحقيقيين وفرض عروض خاوية على الجمهور يؤدي إلى تآكل الثقة في دور المسرح كمصدر إلهام ومعرفة

أشار عماد بيومي الخبير الثقافي إلى أن غياب الاستراتيجية والتقييم المهني للمخرجات أدى إلى فقدان 90٪ من جمهور المسرح خلال ثلاث سنوات مؤكدًا أن الجمهور لن يعود إلا بعودة الرسالة والقيادة والهوية إلى المسرح

دعت شيرين عبدالمنعم الباحثة الأكاديمية إلى ضرورة إنشاء لجنة تقصي حقائق مستقلة لحصر مظاهر الفساد الإداري في مؤسسة المسرح الجماهيري وتقديم المسؤولين عنها للمساءلة حفاظًا على ما تبقى من سمعة المؤسسة ومهمتها التنويرية

أعلنت سهام مسعود المتخصصة في الشئون الثقافية بأنه نما إلي علمها بأن اللجنة الفنية لمراجعة النصوص في أحد المراكز الثقافية اضطرت لإلغاء أكثر من 25 عرضًا خلال عام 2024 بسبب ضعف النصوص وتكرار المشاركين في كل الأعمال مشيرة إلى أنه لا يتم منح الفرصة لأي عنصر جديد خارج دائرة المحسوبية

طالبت نهى الزيات المتخصصة في الإعلام الثقافي بوضع خارطة طريق لإعادة تفعيل دور المسرح تشمل إطلاق مشروع وطني لدعم المواهب وتدريب المخرجين وتحديث النصوص وربط المسرح بالقضايا المجتمعية المعاصرة لتعود الروح للمؤسسة

لن يُكتب لمسرح الثقافة الجماهيرية النجاة إلا بزلزال إداري يجتث جذور الفساد ويعيد بناء الكيان من الأساس على يد قيادات تؤمن برسالته وتعمل بضمير وتستعيد دوره كمنصة وعي وصوت شعب ومحرّك ثقافي أصيل

فكل يوم تأخير هو طعنة جديدة في قلب الإبداع ووصمة عار على جبين من يدّعون خدمة الثقافة وهم أول من يجهزون على مستقبلها آن الأوان لاجتثاث القيادات الفاسدة وحقن هذا الجسد الميت بروح جديدة تعيد له الحياة والمجد والكرامة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى