د. أيمن نور يكتب: كونوا إطفائيين.. من وحي عامنا الثاني عشر على شاشة الشرق حين تصبح التجربة مدرسة.. وتصبح الندبة وساماً

التجارب الكبرى لا تمرّ كما تمرّ الفصول، بل تُوشم على جبين الذاكرة ندبةٍ أنيقة، لا تشوّهنا، بل توقّع الحاضر بخبرةٍ ذهبية.
من قال إن العاصفة تعبر ولا تُغيّر؟ إنها تُعيد ترتيب أوراقنا، تُنقّينا من حدّة الألفاظ ، واسر الاندفاع،
وتوسع من قدراتنا في الإقناع
وتغرس فينا خيطًا ناعمًا من التعاطي الذكي، خيطا لا يُرى، لكنه حاضرٌ كظلٍّ صامت في الزاوية، يُراقب ولا يتكلم.
لا يراجع الاوراق قبل ،
لكن ربما يناقش بعد..
لم نكن يومًا أقلَّ شجاعة.
لكننا، بعد اثني عشر عامًا من المواجهة على شاشةٍ حرة، لم نعد نصرخ… أكثر مما نُفكّر.
أصبحنا أكثر وعيًا، بحجم الكارثة وأكثر نضجًا، وأكثر انحيازًا للعقل…
لا للانفعال، للوضوح لا للغضب، للصدق والتحديد، لا للغموض والتعميم.
علمنا هذا الشعب، أن الأرواح الشفافة، لا تحتمل،المزايدة ،ولا الهوين او التهويل أو المساحات المعتمة، وأن القلوب النبيلة تنهكها الحيرة، وتخشى أن تقع بين رغبة التغيير، ورهبة السقوط في الفراغ.
علمتنا التجربة ألا نرد التجاوز بمثله ، و أﻻ نُتوسع في الخصومات، بل نحترف لم الشمل، الذي يُربك خصمك أكثر من ضجيجك.
علمتنا التجربة أن نُجيد إطفاء الحرائق، لا إشعال الفتن.
نحن الذين خضنا معاركنا بوجهٍ مكشوف، لا نرتدي قناعًا، مزيفا، ولا نُخفي بارتفاع الصوت، ضحالة الموقف، وقله الفهم السياسي…
نُراهن -فقط- على صدق الكلمة، وعمق الرؤية.
من ذاق الاحتراق،نصف قرن
لا يُخيفه اللهب.
لكنه يتعلّم أن النار لا تُشعل عبثًا، بل تُشعل بإدراك…
لا لنحرق، بل لنُضيء… لا لننهي، بل لنبدأ من جديد.
نحن لا نُطفئ الشموع، بل نحميها من الريح.
لا نُغلق الأبواب، بل نتركها مواربةً…
على النور ليدخل لزوما قريبا، فيُزيح ما تراكم من ظلال.