أحزاب وبياناتملفات وتقارير

بيان حزب الوفد عن الإيجارات .. حين يتكلم الجهل باسم القانون

إن من أقبح ما قد يرتكبه العقل السياسي في حق العدالة هو أن يتحدث باسم القانون من لا يُحسن تلاوته، وأن يتصدى لتأويل أحكام المحكمة الدستورية من يجهل مقاصدها ونصوصها.

ولعل بيان حزب الوفد الأخير بشأن مشروع تعديل قانون إيجار الأماكن، استجابةً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 24 لسنة 20 قضائية “دستورية”، مثال فجّ على هذا النوع من الزيف المقنّع بالشرعية، والجهل المتخفي بثوب التحليل.

فحين يخرج بيان سياسي يتحدث عن “احترام الدستور” و”سيادة القانون”، ثم يتورط في خرق فاضح لصريح نصوص دستورية وقضائية، يصبح من الواجب التصدي له بحسم، لا مجاملة فيه .. لأننا هنا لا نناقش رأيًا حزبيًا، بل نفضح تدليسًا على القانون وعلى الرأي العام معًا، وباسم الشرعية ذاتها.

بيان الوفد .. فضيحة قانونية بكلمات مرتعشة ويكشف عن جهل مروع

في سابقة خطيرة تكشف عن مدى الانحدار الفكري والسياسي لحزب الوفد، أصدر الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد، بيانًا صادمًا حول حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون الإيجارات القديمة، مليئًا بالمغالطات القانونية والتضليل العلني للرأي العام.

البيان لم يعكس فقط جهلًا صارخًا بمضمون الحكم، بل تضمن تزييفًا للواقع وتهربًا مفضوحًا من استحقاقات العدالة للملاك المتضررين منذ عقود، حيث جاء محمّلًا بتفسيرات قانونية خاطئة ومواقف سياسية متناقضة، مما دفع العديد من المواطنين والمختصين إلى التعبير عن استيائهم ورفضهم لما ورد فيه.

مغالطات فاضحة بشأن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية

يصف المحامي أحمد عبدالعزيز البيان بـ “المهزلة” فـ كيف لشخص يُفترض به أنه أستاذ قانون أن يصدر بيانًا بهذا القدر من الجهل والاستهانة بحكم المحكمة الدستورية؟ البيان تجاهل أن الحكم يخص الأماكن المرخصة بعد 31 يوليو 1981 فقط، في محاولة مفضوحة لتضليل الرأي العام وخلط الأوراق.

وأضاف عبدالعزيز بأن بيان الدكتور عبدالسند يمامة يعكس جهلًا فاضحًا بالقانون، خاصة وأنه أستاذ قانون في جامعة المنوفية.

فقد تجاهل البيان أن حكم المحكمة الدستورية يتعلق فقط بالأماكن المرخص بإقامتها بعد 31 يوليو 1981، ولا يمتد ليشمل الأماكن المنشأة قبل هذا التاريخ. هذا التعميم غير المبرر يضر بمصالح الملاك ويثير البلبلة في المجتمع

أكد الخبير العقاري محمد حسن أن البيان يعد “خيانة للملاك واعتداء على القانون” وذلك بسبب البيان لا يمثل فقط انحيازًا ضد الملاك، بل يُعد خيانةً صريحة للعدالة. إنه دفاع فج عن بقاء الظلم العقاري باسم حماية المستأجرين، بينما الملاك يعيشون تحت خط الخسارة منذ نصف قرن.

وأشار حسن بأن البيان يتجاهل تمامًا حقوق الملاك الذين يعانون من ثبات القيمة الإيجارية منذ عقود. حكم المحكمة الدستورية جاء لينصف هؤلاء الملاك، ولكن البيان يحاول الالتفاف على هذا الحكم، مما يثير التساؤلات حول دوافع الحزب

أوضحت الدكتورة فاطمة مصطفى، أستاذة القانون المدني فمن المؤسف أن يصدر مثل هذا البيان من حزب عريق كحزب الوفد. البيان يفتقر إلى الدقة القانونية ويعكس سوء فهم واضح لحكم المحكمة الدستورية، مما يضعف من مصداقية الحزب ومكانته في الساحة السياسية

وصفت الدكتورة فاطمة مصطفى البيان بأنه “وصمة عار على جبين حزب الوفد” حيث يُعد البيان طعنة في ظهر القضاء المصري، وتفريطًا في حق الملاك بطريقة تسيء لمكانة حزب كان يُفترض به أن يكون منارة للشرعية. أين المبادئ؟ أين المهنية القانونية؟

إساءة فهم جوهر الحكم الدستوري

نوه الدكتور محمد سلامة أستاذ القانون الدستوري بإحدي الجامعات بأن البيان يتحدث عن استبعاد المواد المتعلقة بتحديد أضعاف القيمة الإيجارية أو إنهاء العقود بعد خمس سنوات، ويزعم أنها لم تكن ضمن منطوق الحكم. هذا صحيح ظاهريًا، لكنه باطل جوهريًا.

لأن ما قضت به المحكمة هو زوال سند الامتداد القانوني قهرًا للمالك، وهو جوهر العلاقة الإيجارية محل النزاع. وبالتالي فإن استمرار فرض الأجرة القديمة، أو تمديد العلاقة قسرًا، يمثل استمرارًا لجريمة عدم الدستورية حتى لو لم ترد تلك المواد صراحة في الحكم.

الوقوف مع الحق لا يتجزأ .. المالك لا يُظلم مرتين

وأشار محمود حسن أستاذ القانون المدني بإحدي الجامعات بأن من يطالب بتأجيل تنفيذ الحكم، أو تقييده بخمس سنوات أو مراحل، إنما يرتكب اعتداءً صريحًا على حق الملكية. وحق الملكية لم يكن أبدًا محل مساومة اجتماعية في الدستور المصري.

تنص المادة (35) من الدستور المصري على أن:
“الملكية الخاصة مصونة، ولا تُمس، إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدمًا”.

فهل إعطاء شخص حق الاستمرار في الانتفاع بعقار لا يملكه، دون مقابل عادل، ولمدة خمس سنوات، يدخل ضمن “المنفعة العامة”؟

بالطبع لا. هذا إكراه تشريعي يضرب صميم العلاقة العقدية، وهو ما قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته صراحة.

أشار المواطن خالد عبدالسلام بأن البيان “كذب علني باسم القانون” لأننا نحن أمام بيان يُجمل الظلم ويُقبح العدل. هذه فضيحة سياسية وقانونية تستوجب المحاسبة. من المعيب أن يُستخدم اسم الوفد لتبرير احتلال ممتلكات خاصة بقوانين جائرة.

ادعاء دعم اجتماعي للمستأجرين لا يبرر انتهاك القانون

أكد الدكتور يوسف مرزوق أستاذ القانون الإداري بإحدي الجامعات بأن البيان يتحدث عن برامج دعم اجتماعي وتعويض للمستأجرين محدودي الدخل. جميل. ولكن من قال إن العدالة الاجتماعية تتحقق بانتهاك حقوق الملاك؟

وأضاف مرزوق بأن العدالة لا تكون بانتهاك الملكية الخاصة، بل بإنشاء صناديق دعم مباشرة، على غرار ما تنص عليه مواد الدستور في باب “العدالة الاجتماعية”، لا عبر تحميل عبء الدولة لفرد لا علاقة له بالفقر أو الغلاء.

المستأجر، مهما كان دخله، لا يُعطى حقًا أبدياً في مال الغير. والمالك، مهما كان غناه، لا يُجبر على التنازل عن ملكيته لإرضاء شعارات بالية.

أكد المحامي ياسر علي أن البيان “تضليل سياسي ممنهج” حيث يُظهر البيان احتقارًا صريحًا لحكم المحكمة الدستورية، ويعتمد أسلوب التضليل لتبرير موقف حزبي متخاذل. إنها محاولة يائسة لتثبيت أوضاع فاسدة ومخالفة للدستور.

أضاف علي بأن البيان يُظهر تناقضًا واضحًا بين ما ينص عليه القانون وما يحاول الحزب الترويج له. هذا يُعد تلاعبًا بالرأي العام ومحاولة لتضليل المواطنين بشأن حقوقهم القانونية

تأجيل إصدار القانون هو التأجيل في احترام الدستور

أوضحت الباحثة القانونية منى إبراهيم بأن حزب الوفد، بتاريخه العريق، كان من المفترض أن يكون في طليعة المدافعين عن سيادة القانون. إلا أن هذا البيان يُظهر انحرافًا عن هذا المسار، مما يُفقد الحزب جزءًا كبيرًا من مصداقيته.

أضافت إبراهيم بأن البيان “تدليس متعمد ومخالفة صريحة للقانون” حيث لا تخلو تصريحات رئيس الوفد من التدليس، وكأنها موجهة لتمرير أجندة سياسية على حساب العدالة الدستورية. هذا البيان يُسقط ما تبقى من مصداقية للحزب.

ونوه أشرف المرشدي المحامي بالنقض بأنه في نهاية البيان، يحذر حزب الوفد من “مخاطر تأخير” إصدار القانون على الأمن والسلم المجتمعي .. هذا تهديد صريح بالتأليب الاجتماعي.

وأضاف المرشدي بأنه من المؤسف أن يصدر من جهة سياسية عريقة .. التأخير الحقيقي هو في امتناع الدولة عن تنفيذ حكم المحكمة فور صدوره، وليس في استصدار قانون جديد.

القانون لا ينتظر مهادنة حزبية، ولا يحتاج إلى “توافق سياسي” عندما يكون الحكم صادرًا عن المحكمة الدستورية العليا.

أكد المواطن سامي عبدالعزيز بأنه يشعر “بالعار” فكنا ننتظر أن يكون حزب الوفد صوتًا للحق، فإذا به يصبح بوقًا للباطل. البيان يستخف بعقول الناس، ويسيء إلى القضاء ويُكرّس الظلم.”

موقف حزب الوفد يكشف جهله الدستوري وليس موقفه السياسي فقط

أكد الدكتور سيد عبدالمنصف أستاذ التشريعات الإجتماعية بأن هذا البيان لا يُعبر عن موقف سياسي، بل يُمثّل سابقة قانونية كارثية في الترويج لمفاهيم خاطئة عن القانون والدستور. من كتبه، أو أشرف عليه، أو راجع لغته القانونية، إما لا يفقه شيئًا في الدستور، أو أنه يعرفه جيدًا ويختار أن يضلل الناس.

وأضاف عبدالمنصف في الحالتين، نحن أمام مشهد لا يُحتمل الصمت عليه. الجهل القانوني حين يصدر من العامة فهو يُعالج بالتوعية. أما حين يصدر من مؤسسة حزبية ويُذاع باسم لجنة تشريعية، فهو خيانة أخلاقية، لا تغتفر.

ولذلك أقولها صراحة: من يُريد أن يحكم أو يُشرّع، عليه أولًا أن يتعلم القراءة الصحيحة للنصوص، لا قراءة الهواة والمراهقين السياسيين.

ما حدث في هذا البيان لا يجب أن يُمرّ مرور الكرام. لقد آن الأوان أن نقول بصوتٍ عالٍ كفى عبثًا بالنصوص، وكفى تجهيلًا للناس باسم الدستور، وكفى تأجيلاً للعدالة تحت دعاوى زائفة. فالدستور ليس ورقة سياسية تُطوَى، بل هو عقد مقدّس بين الدولة والناس. والجهل به، حين يُصبح سياسة، يكون أخطر من الظلم ذاته.

أشار الدكتور محمد بسيوني أستاذ القانون الدستوري بإحدي الجامعات بأن من كتب هذا البيان لم يقرأ الحكم جيدًا، ولم يفهم فلسفة المحكمة الدستورية، ولا موقع القانون المدني في النظام القانوني المصري.

وأضاف بسيوني فقد جهل من كتب البيان المادة (1) من القانون المدني التي تنص على “تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها”.

وما حكم المحكمة إلا إعلان صريح عن عودة الأمور إلى نصابها الطبيعي في القانون المدني، ولا يحتاج المالك إلى قانون خاص ليسترد حقه، ولا إلى رأي لجنة حزبية لكي يُنفّذ الحكم.

كارثة قانونية مدوية: رئيس حزب الوفد يتورط في بيان يُزيف الحقائق ويهين القضاء

لسنا هنا في مقام الخصومة السياسية، بل في مقام الدفاع عن هيبة القانون وكرامة النصوص .. إن الجهل بالقانون لا يُغتفر إذا ما ارتكبه من يملك منابر سياسية أو قانونية أو إعلامية. وحين تُستخدم هذه المنابر للتشويش على أحكام القضاء، والترويج لتشريعات ملتوية، يصبح السكوت جريمة في حق العدالة.

بيان حزب الوفد لا يُمثل إلا دليلاً آخر على ما آلت إليه حال بعض الأحزاب من إفلاس قانوني وفكري، وكل محاولة للالتفاف حوله، بحجة التدرج أو الدعم الاجتماعي، هي خرق صريح للشرعية الدستورية، لا يُبرره إلا الجهل أو النية السيئة. وشتّان بين الاثنين، وإن جمعهما هذا البيان.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى