
منذ نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر، سارت الولايات المتحدة الأمريكية على طريقٍ دمويٍ مغلف بشعارات براقة كـ”الديمقراطية” و”حقوق الإنسان”. غير أن مسارها الحقيقي حُفر بالإبادة، والتآمر، ودعم الطغاة، وتدمير الشعوب، من الداخل الأمريكي إلى أقاصي الأرض. ولعل التواطؤ الصارخ في جريمة الإبادة الجماعية بغزة اليوم ليس إلا امتدادًا لسجل حافل بالدماء والهيمنة.
لم تكن الولايات المتحدة دولة مهاجرين بقدر ما كانت مشروع استعمار دموي. بين القرن السابع عشر وأواخر القرن التاسع عشر، وقّعت الحكومة الأمريكية 371 معاهدة مع السكان الأصليين ( الهنود الحمر)، ولم تحترم أيًا منها.
أُبيد أكثر من 90% من السكان الأصليين، عبر الحروب، المجاعات، نشر الأوبئة عمدًا (كالجدري)، والترحيل القسري المعروف بـ”طريق الدموع”.
قامت الدولة الأمريكية على أنقاض حضارات حية، واستبدلتها بـ”مزارع العبيد” و”مدن البيض”، في تجسيدٍ حيٍّ لعقيدة “القدر المتجلي” التي تبرر الهيمنة باسم الرسالة الإلهية للرجل الأبيض.
نظرية القدر المتجلي ترى أن الأمريكيين مُقدَّر لهم قيادة البشرية بالقوة. وعبء الرجل الأبيض استعارة استعمارية من الفكر الأوروبي، استخدمها الأمريكيون لتبرير احتلال الشعوب “المتخلفة” بحجة التمدين.
وتلك جرائم عبر العالم: حيثما حلت أمريكا نزل الموت.
1- اليابان – هيروشيما وناجازاكي (1945): أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي ضد مدنيين، إذ قصفت مدينتي هيروشيما وناجازاكي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 200,000 شخص فورًا، وآلاف لاحقًا بالإشعاع. ورغم أن الحرب كانت تلفظ أنفاسها، اختارت أمريكا هذا الخيار لأغراض استعراضية وردعية ضد الاتحاد السوفييتي.
2- فيتنام– حرب الإبادة (1955–1975): قتلت أمريكا أكثر من 3 ملايين فيتنامي، وحرقت الغابات بالنابالم، وشوّهت أجيالًا كاملة باستخدام “العامل البرتقالي”. مجزرة “ماي لاي” وحدها شهدت ذبح 500 مدني أعزل.
3- أمريكا اللاتينية– إمبراطورية الانقلابات: ادعمت الولايات المتحدة عشرات الانقلابات العسكرية للحفاظ على الأنظمة الموالية لها.
إيران (1953): أطاحت بحكومة مصدق المنتخبة وأعادت الشاه القمعي.
تشيلي (1973): أطاحت بسلفادور أليندي ودعمت الجنرال بينوشيه الدموي.
الأرجنتين، غواتيمالا، البرازيل، نيكاراغوا: كلها مسارح لانقلابات رعَتها وكالة المخابرات المركزية (CIA).
4- أوروبا– حروب بالوكالة ونفوذ استخباراتية: ساهمت أمريكا في تقسيم ألمانيا وتثبيت قواعدها النووية في أوروبا.
تدخلت في حروب يوغوسلافيا السابقة، وشاركت في قصف صربيا 1999.
استخدمت حلف الناتو كذراع عسكري لفرض هيمنتها على القارة، ووسعت الحلف شرقًا رغم وعودها لروسيا.
5- الشرق الأوسط– من فلسطين إلى العراق وسوريا.
إقامة إسرائيل (1948): لعبت أمريكا دورًا محوريًا في تثبيت كيان الاحتلال، ومولته ودعمته بالسلاح والغطاء السياسي.
حرب العراق (2003): احتلت العراق بذريعة كاذبة ( أسلحة الدمار الشامل )، وقتلت أكثر من مليون مدني، وزرعت الفوضى والطائفية والإرهاب.
سوريا: لعبت دورًا خفيًا في تأجيج الصراع، عبر دعم قوى متضادة، لضمان استمرار التمزق.
6- أفغانستان والصومال: الفشل والدمار.
أفغانستان (2001–2021): حرب باسم “محاربة الإرهاب”، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا، وانتهت بعودة طالبان.
الصومال (1993): تدخل دموي انتهى بكارثة مقديشو، ثم تخلٍّ عن البلاد في أتون الفوضى.
“قناع الديمقراطية الزائف”
رغم خطاباتها عن حقوق الإنسان، دعمت أمريكا أنظمة ديكتاتورية طالما خدمتها.
السعودية ومصر: قمع شديد بدعم أمريكي مباشر.
سجن غوانتانامو: معتقل خارج القانون الدولي.
برنامج الترحيل السري: آلاف المعتقلين نُقلوا إلى دول تمارس التعذيب نيابة عن واشنطن.
“اليوم أمريكا شريكة في إبادة غزة”
منذ أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أفظع المجازر في التاريخ الحديث بحق سكان غزة.
قدّمت أمريكا الغطاء السياسي الكامل في مجلس الأمن.
الدعم العسكري المباشر: آلاف الأطنان من القنابل، بعضها محرمة دوليًا.
منع محكمة الجنايات الدولية من التحقيق في جرائم الحرب.
في كل لحظة تسقط فيها قنبلة على طفل في غزة، هناك يد أمريكية تضغط الزناد، سواء بالسلاح أو بالدبلوماسية.
خاتمة: إمبراطورية بنيت على الدم والكذب من الهنود الحمر إلى أطفال غزة، تاريخ أمريكا ليس قصة نجاح ديمقراطية، بل سردية عنصرية استعمارية تغلف القتل والخداع بثوب أخلاقي.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل حرّ: كم من الدماء يجب أن تُراق قبل أن يسقط قناع “الحرية” الأمريكي إلى الأبد؟