
ليست هذه السطور عن طائر العقاب أو الصقر أو النسر، بل هي قراءة عميقة، عن طائر أكثر عمقاً مما سبق ذكره، كثير للجدل، والإهتمام، إنه (الغراب).
صحيح أنه طائر ارتبط في أذهان الناس بالخرافات، والأساطير، وبات رمزاً للشؤم، إلا أنه في الواقع طائر مميز، وملهم كما سيرد الآن.
بداية : يبلغ متوسط عمر الغراب في البرية من 10 إلى 15 سنة، وقد يعيش أحياناً حتى 20 سنة إذا توفرت له الظروف المناسبة.
أما في حدائق الحيوان، فإنه قد يعيش حتى 30 عاماً بسبب الرعاية الصحية، وتوافر الغذاء.
إن للغربان مجتمع معقد حيث أنها تتخذ قواعد صارمة ملزمة للجماعة بسلوكيات منظمة، تفوق حياة بعض البشر الذين يعيشون في تراث الماضي البغيض حتى الآن.
إن (الغربان) لا تعيش بشكل عشوائي، لأنها تنتمي إلى مجتمع مترابط يحكمه القانون، فإذ أخطأ غراب فقد حق عليه العقاب، كما أن الخروج عن الأخلاق عندهم جريمة لا تغتفر مثل : سرقة طعام من صغار غربان أخرى أو الاعتداء على أفراد القطيع .. إلخ. ولكن .. لا عقاب إلا بعد محاكمة عادلة.
فإذا أثبت (الغراب) المتهم براءته عفت المحكمة عنه، وإن ثبتت إدانته حكم عليه بالعِقاب، والذي قد يصل إلى النفي أو الضرب أو القتل.
يبدو ما سبق ذكره غريب، لكنه الحقيقية، فـ لدى (الغربان) محاكم، كما هو الحال في البشر المتحضرين.
وإذا ما ثبتت الإدانة، تُنفذ العقوبة فوراً، ولا يهرب (الغراب) المذنب من تنفيذ العقوبة، بل إنه يمتثل للقانون، حتى وإن كان الثمن حياته.
تعد (الغربان) من أذكى الطيور على الإطلاق، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن لديها قدرة على استخدام الأدوات، والتخطيط المسبق، وحل المشكلات المعقدة.
بل إن مستوى ذكاء (الغراب) قد يتجاوز ذكاء طفل في سن الخامسة من عمره.
وبالرغم من أن مجتمع (الذئاب) في الحيوانات معروف بتنظيمه الإجتماعي الصارم، إلا أن مجتمع (الغربان) يتميز بتركيبة أكثر تطوراً منه، وذلك من حيث المعاقبة الجماعية، والتصرفات الجماعية الواعية.
ومع ذلك، يشترك مجتمعي (الذئاب) و (الغربان) في قيم مثل الولاء، والتعاون، والدفاع عن القطيع.
ومن ضمن شراكة الصفات فيما بين (الذئاب) و (الغربان) : عدم وجود زنا المحارم.
لأن (الغربان) تتجنب التزاوج مع أقاربها، وذلك بفضل آليات بيولوجية وسلوكية تمنع التزاوج بين الأفراد المرتبطين جينياً.
فبعد أن تكبر صغار الغربان، فإنها تغادر عش العائلة، وتبحث عن مناطق جديدة، وشركاء من خارج السرب لتفادي زواج الأقارب.
لذلك : لا يُسجّل سلوك زنا المحارم في مجتمع الغربان بشكل طبيعي، فذلك يُعد مخالفاً لغريزتها الإجتماعية التي تهدف إلى تنويع الجينات، وتحسين النسل.
كما أن (الغراب) كائن مخلص في الزواج، فهو من الطيور الأحادية الزواج، أي أنه يتزوج مرة واحدة ويعيش مع شريكه طوال عمره.
ويُظهر (الغراب) درجة عالية من الإخلاص لزوجته، ويتعاون معها في بناء العش، وحضانة البيض، وتربية الصغار.
كما يقوم الذكر بجلب الطعام للأنثى أثناء فترة الحضانة.
وإذا مات أحد الزوجين، تظهر عليه سلوكيات حزن مثل العزلة أو الصراخ في فترة الحداد، ثم بعدها قد يفكر في البحث عن شريك حياة جديد.
ومن أهم مميزات الغراب :
الذكاء العالي، والقدرة على التكيف مع مختلف البيئات، والقدرة على التعلم من التجربة، والإجتماعيات، وتنظيم القطيع، والصوت المميز الذي يساعده على التواصل والتنبيه.
أما عن ارتباط الغراب بالشؤم والموت، فذلك يعود لسببين :
- لصوته الغريب ولونه الأسود.
- لأنه يُشاهد قرب أماكن القتال أو الموتى.
لذلك : فإن كل ما ذُكر في الماضي عن (الغراب) ما هو إلا مجرد خرافات شعبية، لا أساس علمي لها، لأن وجوده ضرورة لتوازن البيئة بما يحفظها.
وعلى الله قصد السبيل