مقالات وآراء

د.أيمن نور يكتب: رشا قنديل..حين تُصبح الكلمة تهمة

لا يشبه هذا الخبر سواه، ولا يمكن التعامل معه بوصفه مجرد “واقعة عابرة” في سجلٍ بات مكتظًا بالتنكيل بالصحفيين. فاسم رشا قنديل لا يردف فقط بكلمة “صحفية”، بل بصفة الأمانة المهنية، وبصوتٍ ظلّ منحازًا للعقل، وراسخًا في جبهة الدفاع عن الحقيقة، حتى لو جُرّمت الحروف وشُيطنت الكلمات.

حين تُساق صحفية رصينة إلى التحقيق بسبب مقال تحليلي بعنوان “هل مصر على شفا انفجار؟”، فإن السؤال لم يعد عن المقال، بل عن الوطن الذي يخشى من ظلال الأسئلة. لم تُتهم قنديل بالتحريض، ولا بالتحزب، بل بما هو أخطر في هذه الأيام: بالرأي.

31 بلاغًا – متشابهة الصياغة، من مهن ومحافظات مختلفة – لا تشي بحراك قانوني عفوي، بل توحي بتصنيع حالةٍ أقرب إلى التربص منها إلى التقاضي. تحريات الأمن الوطني، كعادتها، ربطت بين المقال والكبرياء، بين السؤال والنية، وبين الصحافة والعدوان.

توقيت الواقعة لا يقل خطورة عن مضمونها. تأتي قبل ساعات من موعد الإفراج المرتقب عن السياسي أحمد الطنطاوي، زوج الصحفية رشا قنديل، في ما يبدو محاولة لخلط الأوراق، وكسر التوازن النفسي والإنساني لعائلة وقفت بثبات في وجه التسلط. وكأن الرسالة: “لن نطلقه دون أن نكسرها”.

لا يمكن فصل ما جرى عن سياق أوسع من الهجمات الممنهجة على حرية الصحافة في مصر، والتي تحوّلت من حصار إداري ومهني إلى ملاحقات جنائية تطال المقال والرأي والتحقيق الاستقصائي، وتُحيل كل اختلاف إلى ملف أمني، وكل كلمة إلى تهديد “للسلام الاجتماعي”.

التضامن مع رشا قنديل ليس تضامنًا مع شخص، بل مع المهنة كلها، مع الضمير الصحفي الذي يتآكل كل يوم في وطنٍ أصبحت فيه الحقيقة خيانة، والمقال تهمة، والصمت نجاة.

لن نُطبع مع الظلم، ولن نهادن حين تصبح الكلمة جريمة.
رشا لم تُخطئ حين سألت: هل مصر على شفا انفجار؟
بل الدولة هي التي أخطأت حين أجابت على السؤال… بالاعتقال.

في يومٍ كنا ننتظر فيه خروج أحمد الطنطاوي من محبسه، وجدنا الوطن يضع زوجته في قفصٍ موازٍ… لا من حديد، بل من بلاغاتٍ ملفّقة، وتحقيقاتٍ طويلة، وكفالةٍ مرتفعة… كلّها تُشير إلى أن السلطة لا تكتفي
بالتوحم علي لحم من سعي لمنافستها بل تتوحم علي كل مايتصل به.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى