
أخيرًا، وبعد طول انتظار، دخلت قوانين الانتخابات مجلس النواب لإقرارها. أكثر من عُشر أعضاء المجلس قدموا مشروعًا بقانون لتعديل قوانين مجلس النواب ودوائره ومجلس الشيوخ. لم نعرف إلى الآن مصير قانون مباشرة الحقوق السياسية الحالى أو قانون الهيئة الوطنية للانتخاب. قانون المباشرة ستكون تعديلاته، إن حدث ذلك، إجرائية على الأرجح، أما قانون الهيئة الوطنية فستكون تعديلاته جوهرية لأنها تمس الإشراف على العملية الانتخابية، لأنها تمس معادلة قاضٍ على كل صندوق، وهى معادلة غير سليمة، لا يعمل بها إلا فى مصر والكويت، وتفترض أن القضاة وحدهم دون غيرهم هم أساس العدل والنزاهة، وما سواهم غير ذلك. المهم أن التعديلات المقدّمة على قوانين الانتخاب تبقى على الأمور السابقة دون مساس، إلا بقدر يسير فى عدد المقاعد داخل دوائر النظام الأغلبى عبر أسلوب القائمة المطلقة، لكنها لا تغير فى الأمر شيئًا بالنسبة للمقاعد الفردية.
التعديلات جاءت مغايرة لتوقعات زيادة عدد أعضاء مجلسى النواب والشيوخ، وهى الزيادة التى تقريبًا توافقت عليها القوى السياسية خلال العامين الأخيرين. فثبات عدد أعضاء المجلسين هو بلا شك أمر محمود للغاية، لأن أى زيادة فى عدد الأعضاء يُفترض أنها جاءت نتيجة زيادة عدد الناخبين، وهو أمر غير متعارف عليه دوليًا كلما أُجريت انتخابات جديدة فى أى نظام سياسى، وإلا كنا سنجد برلمان الهند ذات المليار ونيف نسمة يتألف اليوم من 10 آلاف عضو! ناهيك عن أن زيادة العدد ستعنى تلقائيًا زيادة عدد نواب أبو الهول أو نواب الصمت فى البرلمان، لأن الثابت هو وجود علاقة طردية بين عدد نواب البرلمانات ونسبة المشاركة فى الحديث فيها.
التعديلات أيضًا تخالف الصيغة التوافقية التى جاءت بمخرجات الحوار الوطنى، والتى قالت بالجمع بين النظام الأغلبى بصورتيه فى الفردى والقائمة المطلقة، والنظام النسبى بصيغة القوائم النسبية المغلقة، المدعومة بعتبة انتخابية أو حد أدنى من الأصوات للقوى السياسية.
من هنا فإننا أمام مجلسين، لكل منهما نسبة 50% قائمة مطلقة، و50% فردى. ورغم أن القوائم المطلقة المهجورة فى النظم الانتخابية العالمية جاءت بذريعة وحجة تطبيق الكوتات الدستورية للمسيحيين والشباب وغيرهم، إلا أن الملاحظ هنا أن المعنيين بالأمر تجاهلوا عدة مقترحات لتنفيذ تلك الكوتات عبر القوائم النسبية الأكثر عدالة وتمثيلًا، كما أن كلا من قانونى مجلس الشيوخ الحالى والمقترح يطبّق القوائم المطلقة، رغم أن الدستور لم يأتِ بكوتات إلزامية فيه!
من ناحية أخرى، فإن المجلسين يعتورهما مشكلات كثيرة فى الدوائر الانتخابية، فدوائر القوائم المطلقة الأربع كبيرة للغاية، وأحدها تصل مساحته إلى نصف مساحة مصر. أما الدوائر الفردية، فرغم أنها فى مجلس النواب مقبولة نسبيًا، إلا أنها فى مجلس الشيوخ متسعة ولا تتناسب مع قدرات المرشحين الأفراد، لكون كل واحدة منها تخص محافظة مصرية كاملة.
وهكذا فإننا مقبلون على نوع من الاستسهال، لتأسيس مجلسين مضمون تعاونهما مع الحكومة عبر مقترح القائمة المطلقة، التى هى أشبه بالتعيين المقنع أو التزكية فى نسبة معتبرة من العضوية، وكان حريًا بأن يكون النظام الانتخابى مؤسَّسًا لبرلمان يناقش ويجادل ويطرح بدائل من خلال تركيبة عضوية جديدة لن تأتى إلا بنظام انتخابى جديد.