د. أيمن نور يكتب: حين يتحدث الثلاثة بنبرة واحدة عن قرار مرتقب، نغلب احتمال أن يكون قطع العلاقات رسميًا مع إسرائيل؟

لا يحدث كثيرًا أن يتحدث ثلاثة من أبرز الإعلاميين المحسوبين على الدولة، في توقيت واحد، بنبرة واحدة، وبمضامين متقاربة: عمرو أديب يلوّح بأن “شيئًا كبيرًا سيحدث في اليومين القادمين”، وأحمد موسى يُنبّه إلى تغيّرات إقليمية قد تُصيب البعض بالصدمة، ونشأت الديهي يحذّر في مقاله “انتبهوا لقادم الأيام” من خطورة المرحلة ويطالب بـ”تموضع جديد” لمصر على كل المستويات.
ما الذي يجمع بين هذه الأصوات الثلاثة؟ وما الذي يرغبون – دون أن يعلنوا – في التمهيد له؟
لسنا أمام مجرد تكرار عرض لاجتهادات فردية.
بل أمام مناخٍ إعلاميٍّ موحّد، يسبق – على الأرجح – قرارًا سياسيًا مصريًا كبيرًا، قد يُعلن خلال ساعات أو أيام قليلة.
التحليل السياسي الرصين،
وإن غابت عنه المعلومة،
لا يغيب عنه الاستقراء. ومع قراءة متأنية لحركة التصريحات، وحالة الترقب الإقليمي، يمكن أن نقف أمام احتمال راجح: أن مصر تتّجه نحو تجميد رسمي للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، أو عدم قبول أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد، الذي لم يُعتمد حتى هذه اللحظة خلفا للسفيرة السابقة .
لا يُمكن فهم التلميحات الإعلامية المتكررة خلال 24 ساعه بمعزل عن هذا الاحتمال.
فالإعلام في النظم المركزية لا يسبق الدولة، بل يمهد لها و يواكبها تمهيدًا وتأطيرًا للقرار قبل أن يُعلن رسميًا.
إذا صحّ هذا التقدير، فسيكون ذلك أكبر موقف دبلوماسي مصري معلن منذ اتفاقية كامب ديفيد،
وهو – رغم تأخّره كثيرا فهو – استجابة رمزية قوية لحالة الغليان الشعبي والإنساني جرّاء مجازر غزة، واستباحة حرمة الدم الفلسطيني، وتجاوز دولة الاحتلال لكل الخطوط السياسية والقيمية.
في مقاله الأخير، أشار نشأت الديهي إلى “ضرورة الإصلاح الداخلي”، وتحدّث عن تماسك الجبهة الوطنية، وهو طرحٌ في غاية الأهمية إن كنا فعلاً مقبلين على قرار سياسي كبير.
فالشرعية الخارجية لا تستقيم دون شرعية داخلية،
والمواقف السيادية لا تكتمل دون حاضنة شعبية حقيقية.
مصر التي قد تُقدم على خطوة كهذه – إذا صحّ التقدير والتوقع هي– مطالَبة بأكثر من مجرد تصعيد دبلوماسي،
بل بإعادة الاعتبار لمفهوم الأمن القومي بمعناه الشامل: أمن المواطن،
وحرية الكلمة، وعدالة الحكم،
وتحرير الحياة السياسية من القيد والوصاية.
هذه هي ضمانات واجبة لسلامة الجبهة الداخلية
إذا أردنا أن نخوض معركة الكرامة مع الخارج، فعلينا أن نُقيم جسورها في الداخل وأن نُعيد فتح أبواب السياسة لا إغلاقها
وأن نجعل من هذه اللحظة التاريخية فرصة لوحدة الجماعة الوطنية،
لا لحصرها في قاعة مغلقة تتحدث باسمها، دون أن تسمع منها.
نحن لا نُجزم، ولكننا نُحلل.
ولا نملك المعلومة، لكننا نملك القراءة. بحكم الخبرة والرؤية
وإن صدق هذا التقدير، فإننا – كقوى سياسية معارضة – ينبغي نمد أيدينا لكل ما يخدم الموقف الوطني،
شرط أن يُدار بشفافية، ويُبنى على شراكة، ويُترجم إلى مشروع وطني شامل، لا قرار عابر في عناوين الصحف