شباك نور

الدكتور أيمن نور يكتب: تحية إلى نساء غرب أسوان .. حين تصرخ الأمهات في وجه تجار السموم

لم يكن المشهد مألوفًا، ولا الوقفة عادية. خرجت نساء قرية غرب أسوان إلى الشارع، لا يطالبن ببطاقات تموينية، ولا ماءً أو كهرباءً، بل خرجن صارخات في وجه المخدرات .. في وجه ذلك العدو الصامت الذي يغتال أبناءهن دون طلقة واحدة، ويحوّل الشوارع إلى صيدلياتٍ بلا أبواب، والعقول إلى خرائب.

حين تُجبر الأمهات على أن يكنّ رجال اللحظة، فاعلم أن الأمر تجاوز الخطر. وحين تتحوّل النساء إلى طليعة المقاومة، فاعلم أن “الدولة” غائبة، وأن “المجتمع المدني” نائم، وأن الإعلام الرسمي قد استبدل رسالته بمسلسلات عن تجارة السموم .. لا لمناهضتها، بل لتطبيعها!

تشير أحدث البيانات إلى أن تعاطي المخدرات في مصر لم يعد مجرد ظاهرة، بل صار أزمة وطنية. النسب مرعبة، والمشهد مرعب أكثر:
نسبة انتشار أنواع المخدرات بين المتعاطين في مصر:

٪51.8 من المتعاطين يتناولون الترامادول
٪25.6 يتعاطون الهيروين
٪23.3 يلجأون إلى الحشيش

لا تُطلّ هذه الأرقام من تقارير سرية، بل من إحصاءات منشورة عن صندوق مكافحة الإدمان، بما يعني أن الأمر خرج من مرحلة الإنكار، ودخل في مرحلة الخطر القومي.

الأدهى أن الفئة الأكثر استهدافًا ليست العاطلين أو اليائسين، بل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا. إنهم عماد الأمة، ومستقبلها، لكنهم اليوم وقودٌ لسوقٍ سوداء تُدار بمكر، وتُروّج بأمان، وتخترق الأحياء الفقيرة والغنية معًا.

بعض الدراسات أشارت إلى أن نسبة النساء المتعاطيات في تزايدٍ صادم، وأن المخدرات لم تقتحم فقط شقق العزلة، بل غرف المعيشة .. وأحضان الأمهات!

الدولة مسؤولة. لا يكفي مداهمة هنا أو ضبط هناك. المخدرات تُباع في النور، وتُنقل في وضح النهار، وتُستهلك في سيارات النقل والسرفيس، وعلى أبواب المدارس والجامعات. أين الرقابة؟ أين العدل؟ أين خطة المواجهة؟

لا يجب أن نقف كمجتمع مدني على الرصيف. المطلوب اليوم حملة وطنية شاملة .. تبدأ من الإعلام، ولا تنتهي عند الأسرة والمدرسة والجامع والكنيسة.
نحتاج إلى إعلام مقاوم للإدمان، لا مروّجًا له، وإلى وعي شعبي يُجرّم التواطؤ، لا يبتلع الصمت كما يبتلع الإبرة.

تحية لنساء غرب أسوان، لأنهن قررن أن يكنّ الصف الأول حين تراجع الرجال. وتحية لكل قلب أمٍ يرفض أن تُغتال أحلامها في غفلة من الدولة والمجتمع.

إما أن نكافح المخدرات .. أو نودّع الوطن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى