مقالات وآراء

الدكتورة نادية المرشدي تكتب: السياسة بالأمر المباشر

ما سأطرحه في هذه السطور نابع من احترامي العميق لجميع الأحزاب دون استثناء، ومن شغفي الشديد بحب بلدي، وإيماني بأنها تستحق ديمقراطية حقيقية وصحيحة، تليق بتاريخها العريق وحضارتها الضاربة في جذور التاريخ .. فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة.

لقد دُعيت لحضور مؤتمر حول التسهيلات الضريبية الجديدة التي تقدمها مصلحة الضرائب، في إطار بناء جسور الثقة مع الممولين، وهو أمر يلقى ترحيبًا واسعًا من جميع الأطراف.

إلا أن الحفل، الذي أُقيم بفندق اللسان في رأس البر بمحافظة دمياط، والذي شاركت فيه الغرفة التجارية تحت إشراف حزب الأغلبية، كان معروفًا بالبذخ الإعلاني؛ حيث امتلأت أرجاء الفندق، داخله وخارجه، بلافتات تحمل اسم الحزب، مقترنة بصورة الرئيس، إلى جانب صورة الإعلامي الشهير المكلف من الحزب بإدارة الندوة، والذي لم يتوقف عن الإشادة بالحزب الوحيد في مصر، بمختلف أساليب الثناء، في ندوة كان طرفاها الحكومة والمواطنين.

لا شك أن الشكر واجب لهذا الحزب على تحمّل رجال أعماله تكاليف الدعاية والاستضافة الراقية لقيادات مصلحة الضرائب.

لكن، هل نحن حقًا أمام ممارسة ديمقراطية سليمة؟ خصوصًا في بلد تعاني فيه نسبة الأمية السياسية من ارتفاع يتجاوز 70%؟ هنا يجب أن ندق ناقوس الخطر.

فالأغلبية البرلمانية الحالية كانت وراء تمرير القوانين والقرارات الحكومية التي أثقلت كاهل المواطنين بموجات متتالية من الغلاء والتضخم غير المسبوق.

والشعب، بمختلف فئاته، بات ساخطًا على هذا الأداء البرلماني، وهو ما ظهر جليًا في السقوط المدوي لقائمة الحزب في إحدى المحافظات، أمام قائمة ضعيفة الإمكانيات، لا تملك أدواتهم الإعلامية الضخمة، ولا حفلاتهم “الخيرية” التي تُوزَّع فيها التبرعات المصحوبة أيضًا بصورة الرئيس.

هذا الربط المتعمد بين صورة الرئيس والحزب يضر الرئيس نفسه، الذي فوضه الشعب ووضع ثقته فيه لعبور مصر من أزماتها، ويُنقص من شعبيته.

إنها دعاية مجانية تمنح هذا الحزب سلطة القيادة السياسية بـ”الأمر المباشر”، باعتباره حزب الرئيس وظهيره السياسي، كما يعتقد كثير من الناس، وخصوصًا البسطاء والشباب الذين لا يرون سوى السطح، ولا يدركون دهاليز السياسة، ولا يعلمون أن الرئيس فوق كل هذا، وأنه لا يدين بالفضل لأحد، لأنه رئيس لكل المصريين، لا لفئة دون أخرى.

لذا، وجب علينا دق ناقوس الخطر من جديد، فهذه الممارسات العشوائية تهدر مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي ينص عليه الدستور.

وعندما تقوم هذه الأغلبية بتنظيم قائمة تُطلق عليها “القائمة الوطنية”، وتوزّع من خلالها المقاعد على الأحزاب الأخرى، ثم تلتف على حصصهم عبر تسكين مرشحيها على مقاعد تلك الأحزاب من أجل ضمان أغلبيتها المحددة سلفًا، مستغلة حاجة تلك الأحزاب للمال السياسي، فإننا نكون أمام ديكور ديمقراطي يُصدَّر للعامة، وكأن من هو خارج تلك القائمة ليس وطنيًا!

فهل هذه سياسة نزيهة؟ أم أنها سياسة بالأمر المباشر؟! لتصبح هذه المرحلة شعارها المال، لا الكفاءة. ولا عزاء للكفاءات، التي نحن في أمسّ الحاجة إليها في ظل مرحلة عصيبة تموج بتحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى