
بينما تتراجع القوى الكبرى عن ضبط إيقاع النزاعات الإقليمية، تتسلّل شرارة جديدة من شرق آسيا، تحديدًا من الحدود المتوترة بين كمبوديا وتايلاند.
لم يكن مقتل الجندي الكمبودي خلال اشتباكٍ مسلحٍ على الحدود سوى تتويج لصراعٍ مكتوم منذ عقود، حيث تتنازع الدولتان على منطقة معبد برياه فيهير، المصنّف كموقع تراثي عالمي من قبل اليونسكو.
في عام 1962، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا لصالح كمبوديا بشأن السيادة على المعبد، ثم أكّدت ذلك مجددًا في 2013 بخصوص الأراضي المحيطة، لكن تايلاند اختارت ألا تعترف، لتبقى المسافة بين الحقيقة والقبول كافية لإشعال نارٍ في خاصرة القارة.
ما يُفاقم خطورة الوضع، أن هذا التصعيد يأتي في لحظة يعاد فيها رسم خرائط التأثير والنفوذ بعد سنوات ترامب العاصفة. مع تراجع القبضة الأمريكية وانشغال القوى الدولية بقضايا أخرى، يلوح الفراغ الإستراتيجي كدعوة مفتوحة لكل الأطراف لتصفية حسابات مؤجّلة.
إن عجز النظام الدولي عن فرض قراراته، وفشل المؤسسات الإقليمية في نزع فتيل الأزمات، يجعلان من أي نزاع حدودي مرشحًا لأن يتحول إلى أزمة إقليمية مفتوحة… وربما أكثر.
والأخطر من ذلك كله، أن كل طرف سياسي محلي بات يبحث عن نصر سريع في الخارج، ليعوّض عن فشل داخلي طويل. فيتحوّل التراب إلى شعار، والمعركة إلى وسيلة لإعادة تدوير الشرعية.
حين تُستخدم الأماكن المقدّسة كمنصاتٍ للصواريخ، يصبح العالم في أزمة أخلاقية قبل أن تكون سياسية. فالوقفات الدولية ليست انتصارًا لقيم القانون، بل اختبارٌ جديد لقدرة النظام العالمي على منع الحرب، لا الاكتفاء برصدها