
سُئلت يومًا من دعاء، لا باعتبارها زوجتي، بل باعتبارها مرآتي التي تُطالِبني أن أتذكّرني…وتشجعني علي كتابة مذكراتي_الشخصية أو علي الاقل أوراق منها.
سألتني: “كيف كانت طفولتك مع مجلات اولاد جيلك؟
سمير؟ ميكي؟ تنتان؟ فلاش؟”
كان سؤالًا بسيطًا كابتسامتها، لكنّ إجابتي ربما ادهشتها…
قلتُ لها، بكل ما في النُضج من براءة، وبكل ما في البراءة من نُضج:
“لم ألمس واحدة منها في حياتي!… لم أفتح ميكي يومًا، ولا كانت تنتان رفيقة وسادتي،
ولا انتظرت فلاش على باب المكتبة بل ربما اسمع اسمها الان لأول مرة!”
كانت أول مجلة عشقتها،
ليست مجلة أطفال، بل مجلة أوطان…
كانت الهلال، تصدر من قلب دار الهلال، وتدخل قلبي دون استئذان.
كنت وقتها اقرض شعرا طفوليا، وكان جدي( والد أمي)
محمد محمود حسنين شعرا عظيما
لكنه لم ينشر قصيده واحده .
في بدايات مرحله المراهقه راسلت مجله الإخاء… وهي مجلّةٌ ناطقة بالعربية من قلب إيران في زمن الشاه،وكانت تحمل على أوراقها وهج المراسلات الخطيه قبل زمن الواتس اب .وتسمح للشعراء الهواه بنشر بعضا من ابياتهم، ومن خلالها تعرفت علي الشاعر الراحل الصديق العزيز
احمد زرزور
ثم كانت مجله العربي الكويتية
… تلك التي لم تكن تُقرأ، بل تُرتّل.
وتعرفت من خلالها علي كتابات الاستاذ احمد بهاء الدين والدكتور سليمان العسكري والدكتور قاسم عبده قاسم.
لم أكن ابن الإعلام…
كنت ابن الحُلم الذي اختبأ في صوته، وابن الرسالة التي حملها… لا صورتها. كنت أبحث عن الفكرة، لا اللعبة،
وعن الحرف، لا الصورة او الرسم.
أنا من جيلٍ استيقظ مبكرا كل صباح علي أم كلثوم، قبل أن تصحو الشمس،تُغنّي لنا كما يُغنّي الوطن حين يكون الوطن أمًّا:
“يا صباح الخير يا اللي معانا… الكروان غنّى وصحّانا”
ثم يأتي محمد قنديل ليعلن بدء مراسم النهار:
“يا حلو صبح، يا حلو طل، يا حلو صبح نهارنا فل…”
نحن الذين كُنّا نعرف أننا تأخرنا على الطابور،
إذا سمعنا فؤاد المهندس يقول: “كلمتين… وبس!”
وكان وداعنا
كل صباح بصوت
آيات الحمصاني،
وهي تقول:
“بالسلامة يا حبيبي
… بالسلامة”
كأنها ترسلنا إلى حرب لا الي مدرسة! .
كنا ننتظر سينما الأطفال في يوم الاجازه ،كمن ينتظر العيد،
وننذهل “بـجولة الكاميرا” كأنها أول سفر،بلا طائره
ونغتسل في “النادي الدولي” مع سمير صبري،وصحبته المتنوعة من نجوم الفن والثقافة.
ربما لم نكن نفهم كل شيء، لكننا نشعر بكل شيء.
تعلمنا من “فكره” مصطفى أمين ،الحب للحريه والإنسانية المجرده ،
ومن مصطفى محمود تعلمنا أن العلم ليس عكس الدين… بل عكس الجمود والجهل.
ومن الشعراوي أن الدين لا يُقال… بل يُحسّ بلقلب مرهف ،وبمتعه العقل واللغه.
تنفسنا الحريه من سخرية نصف كلمه لأحمد رجب، وضحكنا مع ريشه مصطفي حسين.
أحببنا نجوى إبراهيم، لا لأنها جميلة، بل لأنها تشبهنا في خجلها.
وانتظرنا فوازير رمضان كأنها مكافأه مساء رمضان،
وتركنا قلوبنا في “ألف ليلة وليلة”،
إخراج الراحل فهمي عبد الحميد،
الذي لم يكن يصنع حلقات… بل أحلامًا.
لم يكن ينقص طفولتي شيء
إلا طفولتي…
فأنا طفل، لم يقرأ ميكي، ولم ينتظر سمير، ولم يسمع عن فلاش الا وقد تجاوز سن الستين!.
طفولتي لم تكن على ورق…
بل كانت على موجات اخري،في راديو يوقظنا قبل الشمس،وشاشه ابيض واسود ، في وطنٍ، كان وقتها، أقرب لنا من الآن بكثير.