ملفات وتقارير

من أيمن نور إلى الطنطاوي… آلة التنكيل لا تتغيّر، فقط تتبدّل الأسماء

فريق التحرير

لم تكن لحظة الإفراج عن المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي مجرد مشهد عابر في الأخبار. بل بدت كأنها نسخة مكرّرة، بحذافيرها، من واقعة قديمة شهدتها مصر منذ عقدين، حين تم الزج بالدكتور أيمن نور، في السجن بالتهمة نفسها، في التوقيت نفسه تقريبًا، وبنفس المنهجية التي تعتمد على كسر الخصوم لا مواجهتهم.

لكن ما الفرق؟ وهل نحن أمام مصادفة سياسية؟ أم أمام نهج مستقر من الإقصاء الممنهج لكل من يحلم بمصر يختار فيها الشعب حاكمه؟

سيناريو مكرر بتفاصيل دقيقة

  • في 2005، دخل د. أيمن نور انتخابات الرئاسة كأول مرشح مدني ينافس نظام مبارك، وجاء في المركز الثاني. لم تكد تمر شهور حتى وُجهت إليه تهمة “تزوير توكيلات” وقضى خمس سنوات في السجن.
  • في 2023، أعلن أحمد الطنطاوي عزمه الترشح لرئاسة الجمهورية، فبدأت حملة شرسة ضده، انتهت بحبسه لمدة عام في قضية “تزوير التوكيلات” نفسها، مع اختلاف طفيف في الأسماء، وثبات كامل في الهدف والأسلوب.

تفاصيل تتكرر بلا خجل

  • التشابه بين الواقعتين يصل إلى حد التطابق:

نفس التهمة الملفقة.

نفس البرود القانوني في التعامل مع الأدلة والحقوق.

نفس التشدّد من الأجهزة الأمنية في إجراءات الإفراج.

نفس القلق من حشود الجماهير لحظة الخروج من السجن.

لكن الفارق الأهم هو ما يمكن وصفه بـ”الخوف الزائد من أي بريق أمل”. ففي عام 2005، تم الإفراج عن نور قبل انتهاء محكوميته خوفًا من التجمهر الشعبي، حتى اضطرّت مصلحة السجون لكسر سور سجن طرة لإخراجه من الخلف، بعد أن احتشد آلاف أمام الأبواب.

أما في حالة الطنطاوي، فقد تم تأجيل الإفراج 24 ساعة، ونقله سرًا إلى منزله دون علم أسرته أو محاميه، في انتهاك مباشر للمادة 54 من الدستور، التي تلزم بتمكين المحبوس من الاتصال بذويه ومحاميه فورًا.

الإخفاء الإجرائي… مصطلح جديد لانتهاك قديم

ما جرى مع الطنطاوي يُعد جريمة موصوفة. إذ كيف يُحتجز شخص لساعات بعد انتهاء محكوميته دون سند قانوني، ثم يُطلق سراحه فجأة دون إخطار، في محاولة لتفادي أي مظاهر احتفاء جماهيري؟ إنها محاولة مكشوفة لعزل السياسي عن جمهوره، وتشويه لحظة الانتصار الأخلاقي التي يمكن أن يحظى بها.

الرسالة الأهم: لا مكان للمنافسة

التحقيق لا يكتمل دون سؤال جوهري: ما الرسالة التي ترسلها السلطة في مصر عندما تعيد إنتاج نفس مشهد القمع السياسي بعد 20 عامًا؟

الإجابة، كما يقول مراقبون، واضحة: لا مجال لأي شخص يحلم بالتغيير، ولا مسار شرعي إلا ما تسمح به الأجهزة. من يحاول أن يحلم أو ينافس، فإن مصيره سيكون الحبس، أو الإقصاء، أو النفي الطوعي، أو التصفية السياسية كما حدث مع كثيرين.

نداء مفتوح… هل من يسمع؟

السكوت على هذه الممارسات يعني السماح بإعادة إنتاج القمع بنسخ أكثر قسوة وتطورًا. ربما تختلف التكتيكات، وربما تتغير الأساليب، لكن الهدف واحد: سحق كل من يفكر في كسر الدائرة المغلقة للسلطة.

القصة لم تكن يومًا عن تزوير توكيلات، بل عن تزوير إرادة أمة.
وبعد مرور 20 عامًا على تجربة أيمن نور، تعود نفس الأدوات لتُمارس القهر ذاته ضد أحمد الطنطاوي.

هل تتغير الوجوه؟ نعم.
هل تتغير السياسات؟ للأسف لا.
ويبقى السؤال: إلى متى سيظل “التغيير” جريمة في نظر السلطة؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى