
خرج أحمد الطنطاوي من الحبس بعد عام قضاه خلف سياج حديدية ربما لو كانت تنطق أو تسمع لذابت السياج من فرط الدهشة للحجة الفارغة التي بسببها اعتُقل الطنطاوي، ولربما شقّت له سياجها ليخرج مرفوع الرأس عزيز النفس، لكن أنّى للحديد أن يتحدث ويسمع، فلا حرج عليه، لكن الحرج على من يسمعون ويبصرون وينطقون ومع ذلك ما زالوا في غيّهم وظلمهم يعمهون، لم يردعهم دين ولم توقظهم وطنية ولم يعظهم تاريخ للتوقف في الحَجر على الناس وسجنهم لمجرد ممارسة حق وطني يكفله الدستور، وتقديم أنفسهم على أنهم حكماء الجسد الاجتماعي وحماة الوطن، وبدونهم يغرق في عُباب الفتن وتقلبات الرأى.
خرج أحمد الطنطاوي اليوم كما خرج أيمن نور البارحة، لكن الاثنان ما زالا معتقلين، فالأول يحاصره الاستبداد السياسي وقوانين ملاكي صاغها برلمان موالٍ لتكبيل حركة أى حُر قد يشكل خطرا على النظام الحالي. والثاني مُهجّر قسريا منذ سنوات ومُحاصر في غربة لا ترحم ومُعلّق على قوائم الإرهاب هو وغيره من المضطهدين، مسلوب من أبسط حقوقه وهى العودة إلى وطنه ليعيش بين أهله وذكرياته بحرية، وبين هذا وذاك هناك الوطن، المُعتقل هو الآخر بين أنياب عسكرية حادة في الداخل وتبعية خارجية سلبته السيادة ورهنت مستقبله وأصوله لمن يدفع ثمن شرعية استمرار النظام الحالي.
لا شيء يُعلمنا السياسة مثل قراءة التاريخ التي تتشابه صفحاته وإن تغيرت أبطاله واختلفت سياقاته، وسيناريو أحمد الطنطاوي سبق وأن عشناه وسمعنا عنه بنفس التفاصيل المُعلّبة والجاهزة في أروقة أجهزة الأمن مع المرشح الرئاسي السابق د.أيمن نور إبان حقبة مبارك، فلا ذنب لهما غير أنهما أرادا الترشح للرئاسة كأبسط حقوقهم القانونية والدستورية، لكن تلك الحقوق في شرع الأنظمة المستبدة جريرة وكبيرة يُعاقب كل من يرتكبها، ليكون عبرة لغيره، وحديثا لمن يأتي بعده.
وضع أيمن نور بذرة الحلم ثم جاء الطنطاوي لتحقيقه، كسر أيمن نور تابوه “مفيش بديل” ثم جاء الطنطاوي لتطبيقه واقعا، كان وراء أيمن نور إمرأة قوية تدفع عنه وتنطق بلسانه، وتكرر الأمر مع الطنطاوي، فقد ساندته امرأة أشد قوة وشجاعة دافعت عنه لآخر قطرة حِبر في مداد قلمها.
نقش كل من الطنطاوي وأيمن نور قصتهما بحروف من شجاعة على جدار الوطن، ربما لم يقطفا ثمرة جرأتهما لكن يكفي أنهما تحولا إلى أيقونات مُلهمة لغيرهما، ومرجع تاريخي للأجيال أن هناك أمل ما زال يلوح في أفق التغيير مهما اشتد البأس واستبد بنا اليأس، ففي بعض الشجاعة إلهام لأجيال وحياة لأقوام.
عاش أيمن نور ليرى نفسه مجددا في صورة الطنطاوي، فهل يعيش الطنطاوي هو الآخر ليرى نفسه في صورة غيره؟ أم ستنتهى المأساة ويخرج مَهدي سياسي جديد يهدم المعبد على كهنته ونرى فيه صورة أحلامنا جميعا.؟