العالم العربي

البرازيل.. مئات المشاركين في فعالية تضامنية كبرى تدين الإبادة في غزة

شهدت جامعة ولاية ريو دي جانيرو البرازيلية (UERJ)، الأربعاء، فعالية سياسية ضخمة بعنوان “لا خطوة إلى الوراء: أوقفوا الإبادة في غزة والتدخل الصهيوني في البرازيل”، نظّمها كلٌّ من صحيفة الديمقراطية الجديدة (AND) و”المعهد البرازيلي الفلسطيني – ابرسبال”، وحضرها أكثر من 400 شخص من مختلف فئات المجتمع، من عمال وفلاحين ومثقفين وطلاب وناشطين وسياسيين وشخصيات عامة.

الفعالية التي احتضنها المدرج الكبير في الطابق الحادي عشر من الحرم الجامعي تحوّلت إلى حدث نضالي حاشد اكتظّ بالحضور منذ بدايته، واضطر المنظمون إلى جلب كراسٍ إضافية من قاعات أخرى، فيما جلس عشرات المشاركين من الشباب على الأرض لمتابعة الكلمات والمداخلات التي تميّزت بنبرة عالية من التضامن السياسي والإنساني مع الشعب الفلسطيني.

فلسطين قضية عالمية

افتُتحت الفعالية بكلمة لرئيس تحرير صحيفة “AND”، الصحفي فيكتور بيليزيا، الذي شبّه جرائم الاحتلال الإسرائيلي بـ”جرائم النازية”، مؤكداً أنّ “محاولة تجريم الدعم للقضية الفلسطينية في البرازيل لن تمر”، وندد بـ”مشروع قانون الرقابة الصهيونية” معتبراً أنه محاولة لـ”إسكات الأصوات الحرة” وفق تعبيره.

تبع ذلك مداخلة لرئيس “المعهد البرازيلي الفلسطيني – ابرسبال”، أحمد شحادة، استعرض فيها الأوضاع الكارثية في غزة، قائلاً: “(إسرائيل) تستخدم الجوع كسلاح، والأمم المتحدة نفسها أقرت بذلك”. وانتقد محاولات “الاتحاد الإسرائيلي في البرازيل (Conib)” الرامية إلى “مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية”، واصفًا إياها بـ”التحريف الخطير والممنهج لتجريم التضامن مع الفلسطينيين”.

شحادة شدد على أن “دعم المقاومة الفلسطينية ليس جريمة، بل واجب إنساني وشرف لكل حرّ في هذا العالم”.

موقف تكريمي ودعوة للتنظيم

وخُصّص جزء من الفعالية لتكريم الراحل فاوستو أروذا، مؤسس صحيفة “AND”، الذي وُصف بأنه كان “مدافعًا شرسًا عن القضية الفلسطينية طيلة حياته”.

في سياق مداخلته، دعا بيليزيا القوى الديمقراطية إلى التصدي لمشروع القانون رقم 472/2025 الذي قدّمه النائب إدواردو بازويلو، مشيرًا إلى أنه يمثل “رقابة صهيونية صارخة على حرية التعبير في البرازيل”.

كما أعلن المنظمون في ختام الفعالية عن مذكرة تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البرازيل و”الكيان الصهيوني”، ورفض مشروع القانون المذكور، إضافة إلى الدعوة لتشكيل لجان تضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف أنحاء البلاد.

شهادات قوية من ميادين النضال

وفي كلمة مؤثرة، تحدث الناشط الفلسطيني حبيب عمر، من شبكة “أصدقاء فلسطين”، عن “الحياة في غزة كمخيم اعتقال كبير”، قائلاً: “الشعب الفلسطيني يعيش في مناطق محاصرة ومجزأة لصالح حرية تنقل المستوطنين في أرضنا”.

بدوره، وصف ممثل “الرابطة الدولية المناهضة للإمبريالية” الإمبريالية العالمية بأنها “نظام يترنح في أزماته”، وأكد أن “الصهيونية أداة استعمارية وعنصرية تُستخدم لترسيخ سيطرة الغرب على الشرق الأوسط”.

أما الممثل لنقابة اتحاد “مارّيتا” العمالي، فقد وصف أفعال الاحتلال الإسرائيلي بـ”الإرهاب الممنهج”، وأدان تقاعس الحكومة البرازيلية في قطع علاقاتها مع “إسرائيل”. وكشف عن تهديدات تلقاها الاتحاد من جهات “صهيونية” بسبب مواقفه التضامنية. وقال وسط تصفيق الجمهور: “عندما تنهض الجماهير وتعي قوتها الحقيقية، ستجرف كل من يقف في طريقها”.

التضامن رغم التهديدات

وفي كلمات أظهرت كلفة الموقف الأخلاقي، روت كلوديا عساف، الدبلوماسية والكاتبة البرازيلية، كيف تعرّضت لملاحقة قضائية وتهديدات بسبب دفاعها العلني عن حقوق الفلسطينيين. وقالت: “رفضتُ الخضوع لابتزاز اللوبي الصهيوني، ولن أتراجع عن موقفي”.

وتحدثت المحامية مايرا بينهيرو عن “إبادة تُبث على الهواء مباشرة”، في إشارة إلى توثيق جنود الاحتلال الإسرائيليين لجرائمهم على وسائل التواصل، مرفقة بكشف صور توثق وقائع مهينة ارتكبتها قوات الاحتلال.

وأضافت أن “البرازيل تحوّلت إلى منتجع لمجرمي الحرب الإسرائيليين”، مؤكدة أنها تعمل على رصد وجودهم داخل البلاد وتعرضت بسبب ذلك لتهديدات مباشرة.

وفي مداخلة مؤثرة، كشفت الصحفية لوسيا هيلينا إيسا كيف تمت ملاحقتها بسبب تقاريرها عن شبكات الاتجار بالبشر التي تديرها المافيا الإسرائيلية، وقالت إن “الروايات الصهيونية الزائفة عن العرب والمسلمين تنهار على أرض الواقع”.

من جانبه، أرسل الناشط تياغو أفيلًا رسالة من “أسطول الحرية” استعرض فيها التحضيرات الجارية لكسر الحصار عن غزة بحراً، مؤكدًا أن “ما نشهده اليوم هو انتفاضة عالمية دفاعًا عن فلسطين”.

نضال مشترك بين الشعوب

وأكد ممثل  اتحاد المؤسسات العربية الفلسطينية في البرازيل “فيبال”، ماركوس فير، أن ما يجري في قطاع غزة يشكّل “أكبر مجزرة بحق النساء والأطفال في التاريخ البشري المعاصر”، مشيرًا إلى أن حجم الجرائم المرتكبة تجاوز كل ما شهده العالم إبان الحروب العالمية.

وقال فير خلال كلمته في الفعالية: “نحن نتحدث عن أكثر من عشرين ألف طفل فلسطيني، عن أكبر مقتلة للصحفيين، للعاملين في القطاع الصحي، وللعمّال الإنسانيين. ما نشهده هو أول إبادة جماعية تُنقل على الهواء مباشرة، وهو وصمة عار في جبين البشرية لأكثر من 600 يوم دون أي تدخل جاد من المجتمع الدولي، ودون أي محاسبة لـ(إسرائيل)، التي تواصل ارتكاب المجازر وسط صمت دولي مطبق.”

وفي رسالة مباشرة إلى الجهات التي سماها بـ”الصهيونية ومجموعات الضغط في البرازيل”، قال فير: “لسنا خائفين منكم، ولا من تهديداتكم أو مضايقاتكم القانونية. نحن لا نخشى أن نقول الحقيقة: إسرائيل كيان عنصري واستعماري، ودولة إبادة.”

وقد قوبلت كلماته بتصفيق حار وهتافات تأييد من الحاضرين الذين تفاعلوا بشدة مع لهجته الحازمة وموقفه الصريح.

تضامن شعبي راسخ

انتهت الفعالية في العاشرة مساءً، لكن القاعة ظلت ممتلئة بالحضور حتى اللحظات الأخيرة، في مشهد جسّد عمق الالتفاف الشعبي حول القضية الفلسطينية ورفضًا قاطعًا للإبادة الجارية في غزة والتدخل الصهيوني في البرازيل.

وتأتي هذه الفعالية ضمن سلسلة تحركات متصاعدة شهدتها مختلف أنحاء البلاد، حيث نُظّمت، منتصف الشهر الجاري، فعاليات ومسيرات شعبية حاشدة، إحياءً للذكرى السابعة والسبعين لنكبة الشعب الفلسطيني، وتضامنًا مع نضاله المشروع من أجل الحرية والاستقلال.

وقد احتضن شارع “باوليستا” الشهير في قلب مدينة ساو باولو الفعالية المركزية، التي شاركت فيها الجاليات الفلسطينية ومؤسسات داعمة إلى جانب آلاف المتضامنين البرازيليين، في مشهد يعكس اتساع رقعة التضامن الشعبي مع فلسطين في عموم البرازيل.

يُذكر أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا كان قد أعرب في مناسبات سابقة عن إدانته الشديدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واصفاً ما يجري بأنه “إبادة جماعية لا يمكن تبريرها”.

وأضاف في تصريحات على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، الاثنين، رصدتها “قدس برس”، أن “ما نشهده في غزة لم يعد يتعلق بالدفاع عن النفس أو مكافحة الإرهاب، بل هو انتقام جماعي يستهدف المدنيين العزّل، وخصوصاً النساء والأطفال”.

وتابع لولا: “مقتل تسعة من أبناء الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار في غارة إسرائيلية، ونجاة طفل واحد وزوجها في حالة حرجة، يجسّد بوضوح فظاعة هذا الصراع، الذي تحوّل إلى حملة لطرد الفلسطينيين من أرضهم ومنعهم من أبسط مقومات الحياة”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى