د. أيمن نور يكتب: ليس الطريق طويلًا… بل الحرية أثمن من أن تُمنح سريعًا. اصبر، وامضِ…

فمن يُمهّد الطريق بدمه، لا بد أن يراه مُعبّدًا يومًا لأجياله القادمة.
لا أعرف ما الذي ستخسره الدولة لو أفرجت عن علاء عبد الفتاح؟ خاصةً أنه أنهى فعليًا مدة عقوبته؟!
ما الذي تخشاه السلطة من خروج شخص استُنزفت روحه بين الزنازين والمنع والتنكيل؟
ما الذي يُرعب نظامًا كاملًا من جسد أنهكته السجون، وصوت لم يعد يملك سوى أضعف أدوات الحياة: “النداء”؟
وما الذي تربحه هذه الدولة لو ماتت ليلى_سويف في مستشفى بلندن، وقد أضربت عن الطعام لأن القانون لم يعد يسمع، والعدالة لم تعد ترى، والسياسة لم تعد تفكر؟
ماذا تريد الدولة عندما تُصرّ على الخصومة حتى آخر نفس في صدر أم؟
ما الذي ستخسره لو احتضنت إنسانيتها، وتجاوزت عنادها، واعترفت أن الدولة لا تُهزم حين تُفرج، بل حين تُكابر؟
ما قيمة الكرسي إذا صار ثمنه كرامة أستاذة جامعية تقف على حدود الفقد، بصمت الأمومة لا بصوت الشعارات؟
ثم نذهب بعيدًا ونسأل:
ما الذي يمنع الإفراج عن هدى_عبد_المنعم، المحامية، المدافعة عن حقوق الإنسان، التي تجاوزت السبعين، وتصارع المرض داخل زنزانة لا تعرف سوى الانتظار؟ بعد نهاية عقوبتها وتدويرها!
هل تحوّل القانون إلى خنجر يحصد العمر بدل أن يحميه؟
وماذا عن عبد المنعم أبو الفتوح؟
رجل اقترب من الثمانين، يُساق من زنزانة إلى المستشفى، ومن المستشفى إلى التحقيق، ومن التحقيق إلى النسيان.
رجلٌ لم يحمل سلاحًا، ولم يقُد مظاهرة، فقط عبّر عن رأيه… فحكموا عليه بالموت البطيء.
أليس من الغريب أن يُحاكم لأنه لم يصفق؟
أليس من العجيب أن يُدان لأنه لم يسكت؟
ما الذي تستفيده الدولة من إطفاء أصوات من ساندوها يومًا ثم خالفوها؟
هل تُبنى الشرعية على إعدام الاختلاف؟
هل يُحكم الوطن بمنطق القدرة على العقاب أم القدرة على الحوار؟
هل يكون الولاء هو الصمت، وتكون الوطنية هي الخنوع؟
أفرجوا عن علاء، لا لأن ليلى ستموت،
بل لأن الوطن سيُصاب بندبة لا تُشفى…
أطلقوا سراح هدى، لا لأنها ضعيفة، بل لأن الدولة القوية لا تترك كبارها ينهارون في العتمة…
دعوا يحيى حسين عبد الهادي وعبد الخالق فاروق و عصام سلطان والسفير محمد رفاعة الطهطاوي
أبو الفتوح، وكل الشيوخ وكبار السن، يعودون إلى بيوتهم، لا منّةً ولا خوفًا، بل اتساقًا مع ما تبقّى من ضمير وأخلاق السياسة.
لا أحد يربح حين يموت كل هؤلاء في الصمت.
لا أحد يربح حين يموت الكبار داخل الجدران.
ولا أحد يربح حين تصير السياسة مرادفًا للثأر، ويُختزل الوطن في معادلة خصومة صفرية لا تنتهي.
ما نطلبه ليس فضلًا من أحد،
ما نطلبه ليس نداءً للمشاعر،
ما نطلبه هو أن تُعيد الدولة حساباتها…
فما خسرته من إنسانية،
قد تخسره لاحقًا من شرعية.