
تمهيد: معركة تحرير لا جولة تفاوض..
منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، لم تعد فلسطين أمام مجرد تصعيد جديد أو اشتباك موسمي، بل دخلت مرحلة جديدة من الصراع، عنوانها كسر المعادلة الاستعمارية القائمة منذ نكبة 1948. المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس، نقلت المعركة إلى عمق الكيان، وأسقطت مشروع الردع الإسرائيلي،
وفكّكت صورة “الجيش الذي لا يُهزم”. ومنذ ذلك اليوم، يتنقّل العدو من ميدان إلى آخر، محاولًا عبر الحصار والمجازر والضغوط الدولية أن يفرض ما عجز عنه ميدانيًا. و”وثيقة ويتكوف” ليست إلا محاولةً يائسة لتطويق انتصار المقاومة ضمن قفص تفاوضي هدفه نزع السلاح وتصفية القضية.
أولًا: السياق الميداني– حين فشلت إسرائيل عسكريًا..
لم تكن خطة العدو الصهيوني في غزة بعد 7 أكتوبر تهدف فقط للانتقام، بل كانت تسعى إلى:
- تصفية المقاومة عسكريًا.
- فرض تهجير قسري واسع لأهالي غزة نحو سيناء.
• كسر الإرادة الشعبية الفلسطينية في الداخل والشتات.
لكن وعلى الرغم من مرور أكثر من 8 أشهر من القصف الوحشي والمجازر الجماعية وتدمير البنية التحتية في غزة، لم تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها: - المقاومة ما تزال تقاتل من قلب غزة، من تحت الأرض وفوقها.
- الاحتلال فشل في تأمين حتى المناطق التي أعلن “تطهيرها”، مثل الشجاعية وخانيونس.
• الجنود الإسرائيليون يُقتلون في عمليات يومية، وسط صدمة نفسية داخل المجتمع الصهيوني.
ثانيًا: محاولات وقف إطلاق النار– من الهدنة الإنسانية إلى فخ التسوية.
1. الهدنة الأولى (نوفمبر 2023):
بدت للوهلة الأولى خطوة إنسانية لإطلاق سراح النساء والأطفال.
لكنها كانت فرصة للعدو لإعادة تنظيم صفوفه الاستخباراتية والعسكرية.
2. عروض أمريكية– قطرية – مصرية متكررة: جميعها ركّزت على تبادل الأسرى دون ضمان وقف دائم للعدوان.
وتجاهلت المطالب الأساسية: وقف الحرب، رفع الحصار، إعادة الإعمار، عودة النازحين.
3. مبادرات أوروبية ناعمة: سعت لتدويل الإشراف على غزة وتهميش دور المقاومة، تمهيدًا لنزع سلاحها.
ثالثًا: وثيقة ويتكوف– خداع سياسي تحت رعاية أمريكية..
من هو ويتكوف؟
أحد كبار ممولي ترامب، وصديق شخصي لنتنياهو.. تحركه خلف الكواليس ضمن مشروع يميني أمريكي– صهيوني يسعى لفرض تسوية أمريكية بالقوة.
أبرز ملامح الوثيقة:
1. إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل هدوء نسبي.
2. وعد غامض بـ”إنهاء الأعمال العدائية” دون جدول زمني.
3. الحديث عن تسهيلات إنسانية، لا رفع كامل للحصار.
4. ربط إعادة إعمار غزة
بـ”الضمانات الأمنية”، أي تفكيك المقاومة.
خطورتها الحقيقية: توحي للعالم بأنها “حلّ سياسي”، لكنها عمليًا:
تُفرغ المقاومة من مضمونها.
تُثبّت الاحتلال وتُكافئه على مجازره.
تُعيد تكرار سيناريو “أوسلو” ولكن في غزة بدل الضفة.
رابعًا: البعد الديني– القرآن يحذّر من الفخاخ السياسية
قال تعالى: “كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم” (البقرة: 100)
“ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار” (هود: 113)
هذه ليست المرة الأولى التي يُستخدم فيها الغطاء السياسي لخداع المسلمين.
في صلح الحديبية، حاولت قريش فرض شروط مجحفة، فرفض النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يُفرّط بثوابت العقيدة.
واليوم، تريد أمريكا وإسرائيل فرض “هدنة سياسية” تُجهض المشروع التحرري الفلسطيني.
خامسًا: أهداف خطة ويتكوف الحقيقية ..
1. إنقاذ سمعة الجيش الإسرائيلي بعد الهزائم.
2. إخراج الجنود الأسرى دون تقديم أي مكاسب للفلسطينيين.
3. تجريد المقاومة من شرعيتها الدولية عبر وضعها في خانة “المعرقل”.
4. تهيئة الأرض سياسيًا وإعلاميًا لمرحلة ما بعد غزة، بوجود سلطة فلسطينية بديلة بلا مقاومة.
سادسًا: ما المطلوب من المقاومة والشارع العربي والإسلامي؟
على المقاومة: رفض أي خطة لا تشمل وقفًا فوريًا ودائمًا للعدوان، ورفعًا كاملًا للحصار، وعودة النازحين، وضمانات دولية.
الاستمرار في تثبيت معادلة الردع: لا أسرى دون ثمن، ولا تسوية دون الحقوق.
كشف أكاذيب الوثيقة إعلاميًا وسياسيًا على كافة المستويات.
على الفصائل والوفد المفاوض:
عدم الدخول في أي مفاوضات عبثية تعطي الاحتلال فرصة للمناورة.
وحدة الموقف الفلسطيني خلف شروط المقاومة، ورفض أي ضغوط عربية أو دولية منحازة.
على الشعوب والنخب:
استمرار التظاهر والحشد ضد الإبادة في غزة.
الضغط على الحكومات لرفض الوثيقة، ومقاطعة أي جهة تدعمها.
دعم المقاومة ماديًا وإعلاميًا وسياسيًا.
خاتمة: نحن أمام لحظة مفصلية في تاريخ الأمة..
إن ما يجري في غزة ليس مجرد معركة حدود، بل هو معركة هوية ووجود.
وثيقة ويتكوف ليست حلاً، بل فخًّا لتصفية فلسطين. والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو الوعي والصمود وعدم الانخداع بالسلام الزائف.
“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” (الأنفال: 30)