قانون الانتخابات يشعل فتيل الأزمة: تحالفات مفخخة وقوائم مغلقة تهدد الحياة السياسية المصرية

أشعل القانون الانتخابي الجديد فتيل أزمة سياسية مكتومة، وتحول إلى لغزٍ ثقيل يهدد ما تبقى من الحياة النيابية في مصر.
فبين قوائم مغلقة مُحكَمة، وتحالفات مفروضة من علٍ، وتهميش متعمد للأحزاب الصغيرة والمستقلين، تتجه البلاد نحو برلمان معلّب مسبقًا، بلا روح ولا معارضة ولا تمثيل حقيقي.
لم يعد الصوت للناخب، بل للمقرِّر في الغرف المغلقة، ووسط هذا المناخ المسموم، تُطرح تساؤلات غاضبة .. هل نعيش نهاية التعددية؟ أم بداية مرحلة سياسية أكثر قتامة؟ التحقيق التالي يفتح جراح الواقع السياسي، دون رتوش، وينقل صرخات خبراء ومواطنين يرون أن ما يجري ليس قانونًا، بل “مذبحة تشريعية مكتملة الأركان
بوادر أزمة سياسية غير مسبوقة تلوح في الأفق .. وتحذيرات من “مذبحة انتخابية مقنّعة”
أكد الباحث السياسي حسن عبدالرؤوف أن النظام الانتخابي المقترح للقوائم المغلقة المطلقة يعيد البلاد إلى حقبة “التعيين الشعبي”، ويفتح الباب أمام تهميش إرادة الناخبين.
وأشار إلى أن النظام الحالي يهدر التنوع السياسي ويقضي على فرص التمثيل العادل للقوى الوطنية المختلفة، خاصة في ظل هيمنة المال السياسي وغياب الرقابة القضائية الكاملة.
وأضاف عبدالرؤوف: “هذا القانون لا يسعى لبناء برلمان يعكس إرادة الأمة، بل لتكريس هيمنة النخب التي تصنعها الأجهزة بعيدًا عن الشارع”.
قانون “غير توافقي” .. والتمثيل النيابي على المحك
أوضح المحامي الدستوري رمضان أحمد حجازي أن القانون المطروح يتعارض مع المبادئ الدستورية المتعلقة بالتمثيل العادل وتكافؤ الفرص،
خاصة أن القوائم المغلقة تُحرم قطاعات واسعة من الترشح، وتجعل الانتخابات بمثابة استفتاء على قائمة أعدّها الحزب الحاكم أو الدوائر المتحالفة معه .. وأضاف أن هذا القانون يشكّل خرقًا لمبدأ المواطنة، ويكرّس التهميش السياسي.
عندما تتحوّل الانتخابات إلى مسرحية سياسية
أشار أستاذ العلوم السياسية الدكتور أشرف محمد سلامة إلى أن “تحالف 3 كتل كبرى للسيطرة على 100% من مقاعد القوائم يعني أن البرلمان القادم سيولد ميتًا”.
وأضاف: “ما نشهده ليس تعددية حزبية، بل مشهد مسرحي تُوزع فيه الأدوار سلفًا على ممثلين يعرفون أن نهاية المسرحية لن تحمل أي مفاجآت للجمهور”.
شباب مغيّبون .. والمرأة أداة ديكور سياسي
أكدت الناشطة الحقوقية منى عبدالخالق أن القانون لم يمنح المرأة والشباب تمثيلًا حقيقيًا، بل اعتمدهم كأدوات تزيينية تُستخدم لتحسين صورة القوائم في الخارج. وقالت: “حين تُفرض القوائم دون منافسة، تصبح المشاركة الرمزية عبئًا على المرأة وليس تمكينًا لها”.
سيطرة الأجهزة تقوّض الحياة الحزبية
أشار الناشط الحقوقي أحمد علي توفيق إلى أن الأجهزة الأمنية باتت هي من تشكّل القوائم الانتخابية، بينما الأحزاب تلعب دور المصفّق فقط. وقال: “الحياة السياسية تحوّلت إلى سباق داخل غرف مغلقة، ليس فيه منافسة بل إملاءات”.
من أسيوط إلى كفر الشيخ .. الغضب يتصاعد
أكد المواطن محمود عبدالعظيم من أسيوط أن الناس في الصعيد “ما بقيتش مهتمة بالسياسة ولا بتروح تنتخب، لأنهم عارفين إن النتيجة محسومة قبل ما تبدأ”. وأضاف: “القانون الجديد بيقطع الطريق على كل شاب عنده أمل يشارك أو يترشح”.
أشار المواطن سيد عبدالدايم من أسيوط إلى أن النائب أصبح مجرد صورة لا علاقة له بالخدمات. وأضاف: “زمان كان النائب بيزورنا، وبيحل مشاكل، دلوقتي بينجح بالتليفون، ومش بنشوفه غير في الصور”.
أوضح المواطن سامي عبدالفتاح من كفر الشيخ أن “كل الانتخابات بقت محجوزة مسبقًا.. القايمة دي تبع مين؟ خلاص هينجحوا، والباقي يتفرج”.
أكد المواطن رمضان الشاذلي من سوهاج أن الناس في الشارع غاضبة لكنها صامتة. وقال: “مفيش حد فاهم القانون الجديد، ولا عارف هينتخب مين.. كل حاجة مجهزة قبل ما نروح”.
أزمة تُمهد لانفجار اجتماعي؟
أشار أستاذ الاجتماع السياسي الدكتور وليد شوقي مراد إلى أن الشعور بالتهميش وفقدان الأمل في التغيير يهيئ بيئة خصبة للاحتقان الاجتماعي. وقال: “حين تُغلق النوافذ السياسية، تُفتح الأبواب للغضب.. والمشكلة أن من في السلطة لا يدرك ذلك”.
إصلاحيون غاضبون: “لن نشارك في مهزلة”
أكد القيادي بحزب الإصلاح والتنمية طلب عدم ذكر أسمه أن الحزب يرفض الانضمام لقائمة تُعد في غرف المخابرات، وأضاف: “إما انتخابات تنافسية أو مقاطعة كاملة”. وشدد على أن الإصلاحيين لن يشاركوا في تغطية قانون يقصيهم ويهدر حضورهم السياسي.
الكيانات الحزبية تتفتت .. والمعارضة تترنح
أكد الدكتور علاء محمد حسنين، الباحث في النظم الحزبية، أن “القانون لا يستهدف فقط تفصيل البرلمان، بل تفريغ الأحزاب من مضمونها، وتحويلها إلى مجرد ختم على ورقة، وليس فاعلًا سياسيًا”. وتساءل: “هل ما زالت لدينا معارضة؟ أم مسميات قديمة لواقع منتهي؟”.
استبعاد المستقلين .. وتقزيم المشاركة الشعبية
أشار المرشح السابق محمد خليل أبو العلا إلى أن “القانون يقطع الطريق أمام المستقلين، ويكرّس الانغلاق السياسي”، وأضاف: “حتى لو كنت شخصية عامة محترمة أو ناشط خدمي معروف، مش هتلاقي مكانك لأن القايمة جاهزة”.
منابر الإعلام الرسمي .. شريك في التزييف
أكد المحلل السياسي أسامة عبدالراضي أن “الإعلام الرسمي أصبح مروّجًا لشرعية زائفة عبر تغطيات منمقة للقوائم، دون نقد أو تحليل حقيقي”، وأضاف: “الميديا دلوقتي بتبيع الوهم.. مش الحقيقة”.
الناخب ضحية .. والمشاركة مجرد ديكور
قال المواطن عاطف حسين عبدالغني من الفيوم: “إحنا ننتخب ليه؟ ما هم بيختاروا اللي هم عاوزينه، واحنا بس نروّح نحط ورقة وخلاص. كأننا ديكور في حفلة انتخابية مش لينا علاقة بيها”.
هل يعود المصريون للمقاطعة؟
أوضح المحلل السياسي إبراهيم عبدالحميد أن “الدعوات لمقاطعة الانتخابات عادت بقوة، لأن الشعب فقد ثقته في جدوى الاقتراع”، وأضاف: “كلما زادت سيطرة الدولة، كلما زاد العزوف، وهذا ما لم يفهمه النظام بعد”.
صدام داخل الأحزاب الكبرى
أكد القيادي بحزب الوفد محمد احمد أن الحزب “يعيش حالة تمرد داخلي بعد انفراد عدد من القيادات بالتفاوض مع النظام حول مقاعد القوائم”. وأضاف: “الحزب فقد هويته، وأصبح تابعًا، وهذا سينفجر قريبًا في مؤتمر الوفد العام”.
حتى رجال الأعمال غاضبون
أوضح رجل الأعمال مصطفى عبدالسلام أن “المال لم يعد وسيلة فعالة لضمان النجاح في البرلمان، لأن النجاح مشروط بالرضا الأمني، مش بالخدمات أو الشعبية”، مضيفًا: “الناس عايزة فرصة تنافس.. مش منحة من فوق”.
نخبة ثقافية: لا نثق إلا في سعد زغلول ومصطفى النحاس
أكد الشاعر والناشط الثقافي يسري عبدالدايم أن “الأجيال الحالية فقدت الثقة في البرلمان، لأنها لم ترَ نوابًا يشبهون مصطفى النحاس أو سعد زغلول. الناس بتقارن، وبتشوف إن البرلمان الحالي عبارة عن لجنة علاقات عامة للنظام”.
القائمة المغلقة المطلقة: مذبحة ديمقراطية قادمة؟
“تحالفات فوقية” .. وإقصاء تشاركي ممنهج
أشار الدكتور حسام عبدالمقصود، أستاذ القانون العام، إلى أن ما يحدث حاليًا من صياغة للقانون الانتخابي، بعيدًا عن النقاش المجتمعي، يمثل انتكاسة للديمقراطية.
وقال: “القوائم المغلقة المطلقة هي الصيغة الأكثر استبعادًا لأي تمثيل حقيقي للمجتمع، حيث تتحول الانتخابات من أداة للمشاركة الشعبية إلى أداة للمبايعة”.
وأوضح أن اعتماد هذا النظام الانتخابي يعني عمليًا استبعاد المستقلين، وتقليص دور الأحزاب الصغيرة، بل وتفريغ المشهد النيابي من التنوع والتعددية.
إقصاء الشباب والمرأة وتوظيفهم كشعارات
أكدت رنا عبدالغني، ناشطة شبابية في القاهرة، أن القانون لا يُمكّن الشباب، بل يُقصيهم ضمنيًا. وأضافت: “صحيح أن هناك حديث عن تخصيص مقاعد للشباب والمرأة، لكن الحقيقة أن هذه المقاعد تُمنح للموالين داخل القوائم، وليس لأصوات تمثل نبض الشارع”.
وتابعت: “القانون يوظف الشباب والنساء كشعارات لزينة المشهد أمام الخارج، بينما لا يعكسون حقيقة التنوع المجتمعي المصري”.
“برلمان مسيّر”: لا معارضة ولا مساءلة
أوضح الدكتور عادل نجيب، أستاذ العلوم السياسية، أن البرلمان القادم وفقًا للقانون المقترح سيكون “نسخة مشوهة من مجلس الشورى القديم”.
وقال: “إذا كانت 100% من مقاعد القائمة مضمونة للتحالفات الكبرى، فأين التنافس؟ ومن يراقب الحكومة؟ ومن يمثل المواطن؟”.
وأضاف: “لا أحد يتحدث عن التشريعات، بل عن الأسماء التي سيتم ضمها للقوائم.. نحن أمام حالة من تعليب الديمقراطية”.
“الأحزاب كواجهة” .. والسيطرة بيد الأجهزة
أكدت الناشطة الحقوقية منى السعدني أن عملية تشكيل القوائم تحولت إلى تفاهمات بين الأجهزة وبعض القيادات الحزبية، وأُقصيت القواعد الشعبية والمستويات التنظيمية في الأحزاب من المشاركة. وقالت: “الوفد مثلًا، لم يعرف قواعده عن تشكيل القوائم إلا من الصحف”.
وأضافت: “الوضع لم يعد يسمح بالتعدد، بل بالتواطؤ مع من يصنع المعادلة الانتخابية من خارج المطبخ السياسي”.
تفصيل القانون على المقاس الأمني
قال المحامي الدستوري خالد عبدالحميد إن القانون تمت صياغته وفق منطق هندسي أمني، وليس بمنطق سياسي أو اجتماعي.
وأوضح: “القوائم تم تفصيلها لتوزيع الأدوار بين قوى محددة، ما يجعل المواطن مجرد متفرج في مسرحية باهتة”.
“قائمة وطنية”؟ أم قائمة مفروضة؟
أوضح المحلل السياسي إبراهيم يونس أن مصطلح “القائمة الوطنية” هو تغليف بلاغي لواقع احتكاري. وأضاف: “إذا كان القانون ينص على أن الأحزاب الثلاثة الكبرى تتحالف على كل مقاعد القوائم، فأين الوطنية؟ هذه قائمة مفروضة من فوق، ولا تمثل إلا من صاغها”.
لا فرصة للمستقلين
أكد المرشح السابق مجدي محمود في محافظة البحيرة أن القانون يقتل فرص المستقلين. وقال: “لم يعد لمثلي أي أمل في خوض الانتخابات، فالمقاعد محجوزة مسبقًا، ووجودك مرهون برضا القائمين على القائمة، لا بأصوات الناس”.
هيمنة المال السياسي داخل القائمة
قال الدكتور طارق سعد، الخبير الاقتصادي إن القانون يعيد إنتاج المال السياسي داخل القوائم المغلقة، وليس خارجها. وأضاف: “التمويل لا يُستخدم للدعاية فقط، بل لضمان الترتيب داخل القائمة، وشراء الولاء السياسي”.
“مقصلة نيابية” للأحزاب الصغيرة
أكد قيادي في حزب الوفد (طلب عدم ذكر اسمه) أن القانون هو “مقصلة نيابية” لكل الكيانات الحزبية التي لا تمتلك رضا الأجهزة. وأضاف: “أصبحنا نخوض معركة الوجود، وليس التمثيل.. البعض يقبل بالدور الهامشي فقط ليبقى اسمه على اللافتة”.
مشهد انتخابي مغلق
قال الباحث السياسي مصطفى يسري إن المشهد الانتخابي بات مغلقًا بالكامل. وأضاف: “لا قنوات إعلامية محايدة، ولا منابر نقاش مفتوحة، بل تغطيات موجهة ومقالات مملاة، وهذا مناخ لا يُنتج إلا برلمانًا كرتونيًا”.
العزوف الانتخابي يتزايد
أوضحت الباحثة الاجتماعية ياسمين أبو الخير أن نسب المشاركة ستكون في تراجع، لأن المواطن فقد الثقة في العملية برمتها. وقالت: “المصري اليوم يذهب للانتخابات بدافع الخوف أو الإكراه، لا القناعة”.
تحذير من “برلمان بدون شرعية”
قال الخبير السياسي يحيى حلمي إن أخطر ما في الأمر هو تهديد شرعية المؤسسة التشريعية. وأضاف: “برلمان لا يعبر عن الناس، ولا يراهم، لن يصمد طويلًا أمام الأزمات القادمة”.
كلمة أخيرة: هل نكتب نعي الديمقراطية؟
قال الباحث والمحلل السياسي الدكتور هاني محمود: “ما يجري الآن هو إغلاق منهجي لمسارات السياسة، وتحويل الدولة إلى غرفة مغلقة لا يدخلها إلا من يحمل تصريحًا مسبقًا”، وأضاف: “الانتخابات تحوّلت إلى إدارة أزمة وليست أداة تغيير”.
قانون الانتخابات الجديد يعمّق الانقسام ويقضي على التعددية والتمثيل الشعبي
ها هو الستار يُسدل على مشهد انتخابي بلا روح، تُكتب مشاهده في مكاتب مغلقة، وتُوزع أدواره وفق خرائط نفوذ لا علاقة لها بإرادة الناس ولا نبض الشارع.
إن قانون الانتخابات الجديد ليس مجرد نص تشريعي، بل مشروع لتجريف السياسة وإعدام التعددية وتفصيل البرلمان على مقاس الولاء لا الكفاءة.
هو إعلان صريح عن نهاية المنافسة وبداية “الاصطفاف القسري”، حيث تُقصى المعارضة، ويُقصم ظهر الديمقراطية.
ما يحدث الآن ليس إصلاحًا انتخابيًا، بل إعادة إنتاج للهيمنة المطلقة بغطاء قانوني، ومتى اختنق المجال العام بهذا الشكل،
كانت العواقب أشد خطرًا من مجرد انتخابات مزوّرة .. إنها لحظة مواجهة مع الحقيقة: الديمقراطية في مصر تُصفّى بهدوء، تحت غطاء القوائم، وبمباركة الصمت.