د. أيمن نور يكتب : رسالة لخالد يوسف بعد رسالته للرئيس وشهادته الصادقة.. والمنقوصة.. وأسئلة واجبة

كنهايات الأفلام المفتوحة، ظهر المخرج والنائب السابق خالد يوسف، في مشهدٍ سياسيٍ جديد، بعد غيابٍ مديد عن الظهور العلني. قدّم شهادةً عنونها بـ”رسالة للرئيس”، بدت وكأنها محاولة لإعادة فتح حوار أُغلق، أو استكمال مشهدٍ لم يُكتب له الختام.
شهادة الصديق القديم — الذي تربطني به معرفة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود — أظنها صادقة، غير أنها لا تضيف جديدًا يُذكر إلى ما يعرفه الرأي العام أو ما جرى في الكواليس. فهي أقرب لتكرارٍ مجرّد، لأحلامٍ إصلاحية جزئية، تم التهامها وهضمها، وقبولها – من بعض – رفاق الطريق، دون الحد الأدنى من الشفافية، أو الشراكة الوطنية، أو الضمانات السياسية.
ما أدلى به خالد يوسف في الفيديو الأخير، يؤكد أن بداية هذه القصة تعود إلى عام 2021، حين كان في منفاه الاختياري بـ فرنسا، حيث تلقى — كما قال اتصالات من مسؤولين مصريين كبار، أعربوا له عن اقتراب لحظة الانفتاح، وعودة المعارضين، والإفراج عن مسجوني الرأي، وفتح المجال العام.
أضاف أنه عمل كحلقة وصل بين هؤلاء المسؤولين ورموز المعارضة، وأن بشائر التغيير كانت واضحة في البداية، بدءًا من إنتاج مسلسل “سره الباتع” كمبادرة رمزية من الدولة، مرورًا بتوصيات الحوار الوطني، بشأن قانون الانتخابات وقوائم العفو عن سجناء الرأي، وصولًا إلى نقل تأكيدات على لسان الرئيس برفضه للإفراج الجزئي، ووعده بالإفراج الشامل.
لكن المفاجأة كما أشار خالد كانت في عرض قانون الانتخابات بصيغته القديمة، وتجاهل توصيات الحوار الوطني، وعدم الإفراج عن أيٍّ من سجناء الرأي المدرجين بالقوائم.
فما قاله خالد، بدأ في غرف مغلقة، مع شخصيات رسمية محددة، كانت تتصدر المشهد ذات يوم ثم غادرته، فانقطع ما كان موصولًا، وتبخرت أحلام الإصلاح كما بدأت… في الظلام.
ولأن أي إصلاحٍ حقيقي، لا يكون إلا بتأسيسٍ راسخ على قواعد أخلاقية، وسياسية، ومؤسسية واضحة، فإننا نُذكّر بما يلي:
الاشتراطات السياسية والعلمية للإصلاح الحقيقي:
يجب أن يكون الإصلاح نتاج شراكة وطنية حقيقية تشمل كل القوى السياسية والاجتماعية.
أن يرتكز على مشروع متكامل له جدول زمني واضح، وأهداف قابلة للقياس، ومراحل ملزمة.
أن يضمن تداولًا سلميًا للسلطة، واستقلالًا للقضاء، وحرية للإعلام، ومجتمعًا مدنيًا فاعلًا.
الضوابط الحاكمة لأي عقد اجتماعي مُلزم:
وضوح الالتزامات المتبادلة بين الدولة والمواطنين.
وجود آليات رقابة ومساءلة على التنفيذ.
مشاركة كافة الأطراف – لا استثناءات أو استفراد – في صياغة هذا العقد.
تجاوز النوايا الطيبة إلى الأفعال المؤسسة:
لا يكفي الحديث في الغرف المغلقة.
ولا تكفي الوعود الفضفاضة دون إشهار للاتفاقات.
حتى عقود الزواج العرفي – كما نُذكّر – لا يُعتد بها دون شهود وإيجاب وقبول علني.
في ضوء ذلك، نستكمل قراءتنا لشهادة خالد يوسف:
الشهادة صادقة، لكنها ناقصة، لأنها لم تُسمِّ من وعد، ومن أخلف، ومن صدق، ومن غدر.
لم تُفصح عن الأطراف التي قبلت بما هو دون الضمانات، ودون شراكة، ودون حتى مشورة.
من يتحمّل مسؤولية هذا المسار المائل منذ خطوته الأولى؟ من أغلق الباب على الجميع، وفتح النافذة على قِلّة؟
طالما الشهادة منقوصة، فنحن ندعو – بصدق – إلى استكمالها، حفاظًا على التاريخ، وإنصافًا للذاكرة الوطنية.
رغم ما بها من قصور، نشكر خالد يوسف العائد، علنًا، إلى العمل العام، بعد سنوات قال عنها — بصدق — إنها شهدت اغتيالًا معنويًا لشخصه، وتحقيرًا لصورته، وحصرًا لاسمه في صفحات الحوادث.
وإن كانت هذه الشهادة مقدّمة لتفاصيل أكثر، مدعومة بالحقائق والمعلومات، فهي جديرة بالدعم والتقدير.
أما إذا كانت مجرد حنينٍ، أو خيبةٍ، أو كلمات على أطلال حلم، فلدينا منها ما يكفي.
ونعلم أن الإعلام الرسمي لن يحتفي بشهادة خالد، ولن يفتح أبوابه أمامه، ولن يطلب منه كشف المستور… لكننا نفعل.
لذا، نوجّه من هنا، من قناة الشرق المصرية المعارضة، دعوة مفتوحة للأستاذ خالد يوسف، ليدلي بشهادته كاملة، على الهواء مباشرة، دون مقاطعة، أو تدخل، أو مقايضة.
ونذكّره بأن الشرق، ليست كما يُشاع عنها، لا تسجن شهادة، ولا ترفض شهادة، بل ترحب بها، خصوصًا إن كانت في ميزان الحق، وكاشفة لما خُبّئ طويلًا.
ولدي هنا، سؤال وربما أكثر:
إذا كانت الشهادة رسالة، فهل تتوفر فيها مقومات الرسالة؟
هل حملت اسم الراسل؟ نعم.
والمُرسل إليه؟ نعم.
لكن، هل تضمنت معلومة يجهلها المرسل إليه؟ هل تخاطبه كمن لا يعلم؟
أليست الرسالة – في جوهرها – إخبارًا، أو استنكارًا، أو مطالبة؟
أما أن نخاطب من بيده الأمر، بما نعلم أنه يعلمه، فهذه ليست رسالة… بل مونولوج سياسي علني، يفتح الباب لأسئلة بلا أجوبة.
وختامًا…
نحن لا نشكك في نوايا الصديق القديم، ولا نمنع أحدًا من مراجعة موقفه، بل نرحب بها، ونقدّرها، ونعتبر كل شهادة – حتى الناقصة – خطوة في مسار طويل نحو الحقيقة.
وإن كنّا نتمنى أن لا تظل هذه الخطوة محصورة في الغرف أو الفيديوهات، بل أن تكون لبنة في جدار الإصلاح الحقيقي، الذي لا يُبنى بالمجاملات، ولا ينهض على الصمت، ولا يُكتب في الظلام.
الإصلاح الحقيقي لا يعادي أحدًا، ولا يُقصي أحدًا، لكنه أيضًا لا يُدار من خلف الستار.
أما نحن — ونحن من أخطأنا أحيانًا — فلا نزعم العصمة، ولا نرجم أحدًا عاد إلى جادة الصواب.
فمن كان منكم بلا خطيئة، فليكن أول من يرجم كل عائد للحق بحجر