مصر

شادي طلعت يكتب: مبارك وأسباب البقاء الطويل

مبارك.. رجل التوازنات السياسية، واستيعاب المعارضة، ظل الرئيس المصري الأسبق/ محمد حسني مبارك، في سدة الحكم قرابة ثلاثة عقود، منذ توليه السلطة في أكتوبر 1981 عقب اغتيال الرئيس/ أنور السادات، وحتى تنحيه في 11 فبراير 2011 في خضم أحداث ثورة 25 يناير.

وقد أثارت طول فترة بقاء (مبارك) العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الإستمرار الطويل في الحكم، ومدى ارتباطه بطريقة تعامله مع المعارضة السياسية، مقارنة بسابقيه من الرؤساء، جمال عبد الناصر، وأنور السادات.

بداية : كانت سياسة (مبارك) تجاه المعارضة، مرونة محسوبة

فمن أبرز سمات حكم (مبارك) كانت المرونة النسبية في التعامل مع المعارضة، فقد تميز عن جمال عبد الناصر، والسادات بخفة حدته تجاه الخصوم السياسيين، حيث تجنب المواجهة الصدامية المباشرة معهم، وفضل اتباع سياسة الإحتواء والترويض.

وعلى الرغم من أن النظام لم يكن ديمقراطياً بالمعنى الكامل، فإن بعض مساحات التعبير السياسي سُمح بها للمعارضة السياسية، مع ضبط سقفها وتوجيه مساراتها.

كما لجأ (مبارك) إلى نظام المحاصصة داخل مجلس الشعب، حيث كانت تُمنح بعض المقاعد لأحزاب المعارضة، كشكل من أشكال التجميل الديمقراطي للنظام، دون أن تهدد هيمنة الحزب الوطني الحاكم، والتابع للرئيس.

هذا النهج سمح لـ (مبارك) بالحفاظ على صورة “الحاكم المتسامح” مقارنة بالرئيسين السابقين، مما ساعده في إطالة عمر نظامه.

وبمقارنة (مبارك) مع عبد الناصر، والسادات، في التعامل مع المعارضة، والثمن الباهظ لكليهما – سنجد التالي :

في المقابل، كان جمال عبد الناصر، أكثر قسوة في تعامله مع المعارضة، لا سيما (جماعة الإخوان المسلمين) والشيوعيين، حيث استخدم الإعتقالات، والتعذيب، والإعدامات لتثبيت حكمه.
ورغم شعبيته الجارفة، فإن قمعه للمعارضة ولّد توترات سياسية داخلية ساهمت في خلق بيئة غير مستقرة، برزت بشكل خاص بعد هزيمة 1967.

أما أنور السادات، فقد بدأ حكمه بإطلاق سراح المعتقلين، وتقديم نفسه كـرئيس مختلف، لكنه انقلب بشدة على المعارضة في نهاية حكمه، خصوصاً بعد حملة الإعتقالات الشهيرة في سبتمبر 1981، التي طالت أطيافاً واسعة من المثقفين، والسياسيين، بما في ذلك الإسلاميين، واليساريين، والليبراليين.
وقد ساهم هذا النهج المتصاعد من القمع، إلى جانب سياسات أخرى مثيرة للجدل، في تعزيز حالة الاحتقان، التي انتهت باغتياله على يد متطرفين داخل الجيش.

فهل كان (مبارك) الأذكى في التعامل مع المعارضة؟

يمكن القول أن (مبارك) كان الأكثر دهاء، وبراجماتية في تعامله مع المعارضة، إذ مزج بين القمع الإنتقائي، والسماح المحدود بالتنفيس السياسي.

ولم يكن (مبارك) ليُفسح المجال لمعارضة حقيقية، لكنه لم يصل إلى درجة الصدام الكلي الذي انتهجه عبد الناصر أو السادات.

كما اعتمد (مبارك) على أسلوب “تغيير ماء الوجه” مع كُل طرف على حده، مما مكنه من الإستمرار طويلاً، وإنشاء شاء

كان ذلك على حساب إصلاحات سياسية، واقتصادية حقيقية.

بداية النهاية لـ مبارك:
عندما حاد (مبارك) عن سياسته مع المعارضة جاءت نهايتُهُ بعد انتخابات 2010 ..

ورغم سنوات (مبارك) الطويلة في الحكم، فإن انتخابات مجلس الشعب عام 2010 كانت نقطة تحول بارزة وسلبية في تاريخه.

فقد تم تزوير الإنتخابات بشكل فاضح، مما أدى إلى إقصاء شبه تام للمعارضة، حتى الرمزية منها.

هذا الحدث أسقط القناع الأخير عن النظام، وأظهره في صورته الإستبدادية الخالصة، مما عمّق حالة الغضب الشعبي، وساهم في إشعال فتيل الثورة.

لذلك، يمكن اعتبار إنتخابات مجلس الشعب عام 2010، بداية فعلية لنهاية حكم (مبارك)، حيث أفقدته شرعية كانت، ولو صورياً قائمة.

في النهاية:
إن بقاء (حسني مبارك) في الحكم لثلاثين عاماً لم يكن محض صدفة أو نتيجة قوة النظام فقط.
بل جاء نتيجة استراتيجية مرنة، ومعقولة في التعامل مع المعارضة، وإن كانت محدودة الأفق.

إلا أن تجاهله لمطالب الإصلاح السياسي الحقيقي، واعتماده على أدوات النظام الأمني، والحزبي، جعله يسقط في النهاية حين انفجرت التناقضات المتراكمة.

وبالتالي : فإن دروس التاريخ تُظهر أن الإحتواء المؤقت للمعارضة لا يُغني عن الإصلاح الجاد، وأن طول الحكم لا يعني بالضرورة قوة النظام بقدر ما يعني أحياناً تأجيل لحظة السقوط.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى