ضبط 5 متهمين في واقعة تنقيب آثار بقصر ثقافة الطفل بالأقصر

أكدت مصادر مطلعة أن جهود الشرطة بمحافظة الأقصر نجحت في إلقاء القبض على خمسة من العاملين التابعين لشركة المقاولات المنفذة لأعمال تطوير قصر ثقافة الطفل بمنطقة مساكن سوق الصنايع وسط المدينة بعد أن كشفت التحقيقات الأولية تورطهم في واقعة تنقيب عن الآثار أسفل القصر
أوضحت المصادر أن رجال الأمن قاموا بعملية مداهمة مفاجئة بعد ورود بلاغات رسمية من الوحدة المحلية لمدينة الأقصر التي لاحظت وجود حفريات مشبوهة داخل القصر قبل أيام من الزيارة المفاجئة لوزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو ومحافظ الأقصر المهندس عبدالمطلب عمارة مما دفع الجهات المختصة لفتح تحقيق عاجل
صرحت الجهات المعنية أن اللجنة الفنية الأثرية التي شكلتها منطقة آثار الأقصر والتي تتضمن مديرًا عامًا وأثريًا ومسؤول مساحة باشرت أعمال الفحص والمسح الهندسي لموقع الحفر داخل القصر مؤكدة العثور على حفرة بعمق خمسة أمتار وبطول نفق يصل إلى تسعة أمتار يمتد أسفل عدد من المنازل المجاورة للقصر
أشار التقرير الفني إلى أن النفق المكتشف يأخذ شكل حرف (L) ما يشير إلى محاولة ممنهجة لاختراق التربة أسفل القصر وصولًا إلى منطقة طريق الكباش التاريخي وهو ما يعزز فرضية وجود شبكة منظمة تعمل على التنقيب عن الآثار تحت ستار مشروع التطوير الثقافي المزعوم
لفت أعضاء اللجنة الثلاثية من مفتشي الآثار إلى أن الحفرة الرئيسية كانت داخل الغرفة الثالثة من مبنى القصر وقد احتوت على كميات كبيرة من الرديم وشواهد أثرية وقطع فخارية يرجح أنها تعود لعصور تاريخية متعددة كما تم توثيق الصور والموقع بدقة لتسليمها للنيابة العامة
أعلن مسؤول أمني رفيع أن التحقيقات شملت مراجعة خطة التطوير الخاصة بقصر ثقافة الطفل والتي كانت تجرى بالتزامن مع تجهيز زيارة الوزير للوقوف على ما تم من أعمال ترميم للبنية التحتية لمؤسسات الثقافة بالأقصر موضحًا أن خطة التطوير كانت ضمن مخصصات الهيئة العامة لقصور الثقافة
نوه ذات المصدر أن الوزير فور علمه بالواقعة أجرى جولة تفقدية طارئة داخل مبنى القصر واطلع بنفسه على الحفريات المكتشفة حيث تبين وجود حفرة عميقة داخل واحدة من الغرف وثقها على الفور وأمر بإحالة جميع المسؤولين عن المشروع إلى التحقيق
أردف مسؤول بمحافظة الأقصر أن الهبوط الأرضي المفاجئ الذي حدث في شارع أبو الجود المتاخم لقصر ثقافة الطفل كان المؤشر الأول الذي كشف واقعة التنقيب إذ لاحظ الأهالي تصدعًا غريبًا في الطريق وتقدموا بشكاوى عاجلة للسلطات المحلية
أجاب مسؤول في المجلس المحلي أن التحريات الميدانية التي أعقبت بلاغ الأهالي أكدت أن مصدر الهبوط ناتج عن حفريات تمت داخل القصر بشكل سري وغير مرخص وأنه تم إبلاغ وزارة الثقافة التي أمرت بفتح تحقيق شامل بالتعاون مع النيابة العامة
أوضح التقرير الأمني أن الوزير أمر بإحالة رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي السابق والمدير العام الحالي للإقليم ومدير فرع ثقافة الأقصر وعدد من مسؤولي الإدارة الهندسية والمكتب الفني ومديري قصري الثقافة والطفل ومسؤول الأمن إلى التحقيق الفوري
زعم شهود عيان من أهالي المنطقة أن حركة دخول وخروج العمال خلال الليل كانت مثيرة للريبة خلال الأيام السابقة للواقعة وأنهم سمعوا أصوات تكسير واهتزازات أرضية لكنهم لم يتخيلوا أنها محاولات لسرقة التاريخ من تحت أقدامهم
أكدت النيابة العامة بقيادة المستشار مصطفى الهواري والمستشار أحمد جمال أنها تسلمت التقرير الفني من اللجنة الأثرية وتستكمل إجراءات التحقيق مع المقبوض عليهم للوقوف على ملابسات الواقعة وكشف كافة المتورطين فيها سواء من العاملين أو القيادات الإدارية
أضاف مسؤول بوزارة الثقافة أن عملية تطوير قصر ثقافة الطفل بالأقصر كانت ضمن مشروع شامل يهدف إلى تحديث 102 قصر وبيت ثقافة على مستوى الجمهورية وأن الميزانية المخصصة لكل مشروع تتراوح بين 3 إلى 5 ملايين جنيه حسب حالته الفنية والإنشائية
صرح مصدر هندسي أن الشركة المتعاقدة كانت قد بدأت أعمالها منذ ثلاثة أشهر وأن هناك تقارير إنشائية سابقة أشارت إلى ضعف البنية الأرضية أسفل مبنى قصر ثقافة الطفل إلا أن هذه التقارير لم يتم الأخذ بها من قبل الإدارة الفنية
استدرك مراقبون أن الواقعة تفضح خللاً إداريًا جسيما في منظومة الرقابة الفنية والهندسية التابعة لهيئة قصور الثقافة وأن هناك ضرورة لإعادة تقييم طريقة اختيار شركات المقاولات المنفذة لمشروعات الترميم لضمان منع تسلل عناصر غير مؤهلة أو ذات أغراض مشبوهة
نفى مصدر رسمي من هيئة الآثار أن تكون هناك أي موافقة على الحفر داخل قصر الثقافة بأي شكل من الأشكال مؤكدًا أن التنقيب عن الآثار بدون ترخيص يمثل جريمة وفقًا لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته
أشار أحد أعضاء اللجنة الفنية إلى أن وجود قطع فخارية بموقع الحفر يدعم فرضية أن الموقع قد يحتوي على طبقات أثرية لم تُكتشف بعد خصوصًا أن المنطقة تقع ضمن النطاق الحيوي لطريق الكباش الرابط بين معبدي الأقصر والكرنك
أعلن فريق النيابة أن التحريات الميدانية ما زالت مستمرة لجمع الأدلة والاستماع إلى أقوال شهود العيان وتحليل محتويات كاميرات المراقبة إن وجدت داخل القصر أو بالقرب منه كما يجري حاليًا التحقق من سجلات دخول وخروج العاملين خلال الأيام السابقة للواقعة
استرسل أحد مسؤولي الثقافة قائلا إن الحادث يمثل صدمة قوية للمجتمع الثقافي في مصر وإن هذه الواقعة تثير علامات استفهام حول أداء بعض المسؤولين بالمحليات وقدرتهم على إدارة المشاريع الثقافية ذات الطبيعة الخاصة
لفت حقوقيون إلى أن القضية تمثل خرقًا صارخًا للقانون وتهديدًا لتراث مصر القومي مطالبين بإجراءات أكثر صرامة للرقابة على مشاريع التطوير الثقافي وربط مراحل العمل بآليات مراجعة دورية من جهات سيادية لمنع تسلل الفساد
أردف مصدر قانوني أن المادة 45 من قانون حماية الآثار تعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على عشرة ملايين لكل من قام بالحفر بغرض الحصول على آثار أو ساعد في ذلك أو علم به وسكت عنه
أوضح الأهالي أن قصر ثقافة الطفل كان منذ سنوات رمزًا للتنوير في المدينة وأن وقوع جريمة بهذا الحجم داخله أثار فيهم حالة من الحزن والغضب ودفعهم للمطالبة بإعادة تأهيل المبنى بالكامل تحت إشراف جهات سيادية وليس جهات ثقافية فقط
أكد مراقبون محليون أن حادثة قصر ثقافة الطفل ليست الأولى في سجل وقائع الفساد المرتبط بتطوير المنشآت الثقافية حيث سبق تسجيل مخالفات مشابهة في عدد من المشروعات بمحافظات أخرى وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الرقابة وآليات المتابعة
أعلنت وزارة الثقافة أنها في صدد مراجعة كافة عقود التطوير الموقعة في العامين الأخيرين على مستوى الجمهورية للتأكد من سلامة الإجراءات وتوافق الأعمال مع المعايير القانونية والمهنية
صرح الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة في بيان لاحق أن الوزارة لن تتهاون مع أي مسؤول ثبت تورطه في هذه الواقعة أو غيرها مشددًا على أن الثقافة يجب أن تبنى على النزاهة وليس على أنقاض التراث
أفاد مصدر بمديرية أمن الأقصر أن التحقيقات جارية الآن مع المقبوض عليهم الخمسة وجارٍ تعقب بقية المتورطين المحتملين بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لاستكمال كشف ملابسات الجريمة بشكل كامل وتقديم المتسببين فيها للعدالة
أشار مسؤول بارز إلى أن هذه الواقعة تمثل واحدة من أكبر قضايا الفساد الثقافي التي يتم التحقيق فيها منذ سنوات وأن ما تم ضبطه من حفريات وأدلة يشير إلى شبكة منظمة وليست حالة فردية عابرة ما يزيد من تعقيد الملف وخطورته