
نحر العيد… أم نحر الكرام؟!
يا أمةً ذُبحت في مِحرابِ الصمت!
يا كرامةً بيعت في مزادِ العجز!
يا دمًا يسيل من شرايين المآذن قبل أن يُراق في مَسالِكِ الطهارة والوضوء…!
عيدُ الأضحى يُقبل علينا ضيفًا جليلًا، يحملُ في طياته رمزية الفداء والطهارة والنور، لكن ما الجدوى من عيدٍ تنحر فيه الخراف… بينما تنحر فيه الكرامة العربية في وضحِ النهار؟
في غزة، الخراف آمنة… أما الأطفال فهم الأضاحي!
في القدس، الشوارع ليست مبللة بماء الزينة… بل مغسولةٌ بدماء النساء والركع السجود!
أيُّ عيدٍ هذا الذي نتزين فيه بالفرح الكاذب،
ونتغافل عن عيدٍ مكلومٍ هناك… في أرض الإسراء والمعراج،
حيث جنود الاحتلال الصهيوني لا يُصلّون، بل يُصلبون، لا يُضحّون، بل يُذبحون!
أيها العرب…
ألم تروا أن أضحيتكم هذا العام ليست من لحم الغنم،
بل من لحم أطفال غزة؟!
إن عيد الأضحى، الذي هو في أصله احتفال بالتضحية والطاعة، قد تحول في فلسطين إلى ذكرى أليمة، إلى معركة مستمرة من أجل الوجود والكرامة. لا عيد في غزة ولا فرحة في الضفة، بل دموع لا تجف، وصرخات تُختنق بين جدران الحصار.
في الوقت الذي يستعد فيه العالم لتقديم الأضاحي، يقدّم الفلسطينيون أضاحيهم الحقيقية: أرواح أبنائهم، وشيوخهم، ونساءهم، وطفولتهم التي سُحقت تحت نعال الاحتلال.
وأين العرب من هذا المشهد؟ هل العيد هو مناسبة للجلوس والتفرج، أم هو نداء لصوت الوحدة والتحرك؟
هذه الأسئلة تثير ضمائرنا المكلومة، وتدفعنا لمراجعة حساباتنا مع الحرية والعدالة.
بين خراف العيد… وخرافة المروءة!
في كل عيد أضحى، نتبجح بالتكبير، ونتزين بالتهليل، ونملأ الدنيا تسبيحًا، ولكن، بالله عليكم…
هل الله يُحبُّ أن نُكبّر ونُهَلّل وندعُ أطفال غزة تُنحَر على الأرصفة؟!
في مشاهد دامية..نرى جنود الاحتلال وهم يحوّلون العيد إلى مذبحة دموية، والشاشات العربية منشغلة بعروض الكنافة ومسابقات الجِمال!
يا عرب، أضحيتكم غسلتوها بماء الورد، أما أضحية غزة، فقد غُسلت بدماء الشهداء واليتامى!
عيد الأضحى في ظل الدم والدموع: تقاطع القداسة والقتل
عيد الأضحى، ذلك العيد الذي يحتفل فيه المسلمون في شتى أنحاء العالم بذبح الأضاحي تقربًا إلى الله، واحتفاءً بالتضحية والفداء، يصادف في هذا العام مجددًا وسط حمامات الدم التي يسفكها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. بينما الأطفال والنساء والشيوخ يُقصفون وينزفون على أرضٍ تشهد أبشع الجرائم الإنسانية، يقف العالم العربي مكتوف الأيدي، يتفرج على مذبحة لا تنتهي، وينشغل بجزئيات زائلة، وكأن دماء الأخوة ليست سوى حبر رخيص يُسقط على صفحات التاريخ.
ففي كل عام، ينصبّ المسلمون خرافهم على مذابح تعبيرًا عن طاعتهم وذبحهم لله، بينما تُذبح فلسطين نفسها على مذبح الصمت العربي الدولي، وعلى طاولة طغاة السلطة الذين يغسلون أيديهم بدماء أبنائها، مدّعين الحياد أو الانشغال بقضايا أخرى أقل وأقل وأقل وجعًا.
دماء الأقصى… دماء الضمائر الميتة
إن ما يجري في القدس والضفة وغزة ليس فقط اعتداءً على الأرض والمقدسات، بل هو اعتداء على الضمائر الحية، وعلى القيم الإنسانية التي تربينا عليها.
كل طفل فلسطيني يسقط شهيدًا في عيد الأضحى هو رسالة مؤلمة لكل عربي أصيل: هل هذه هي الوحدة؟ هل هذا هو الجهاد؟ هل هذه هي الروح التي نحتفل بها؟
إنّ دمار البيوت، وتدنيس المساجد، واغتصاب حقوق الإنسان، يختزل واقعًا قاتمًا ومريرًا يُجسد قهرًا وإذلالًا مستمرًا، يُكسر فيه إرادة الأبطال الذين يرسمون بدمائهم لوحة الأمل والمقاومة.
عيد الأضحى… بين التضحية الحقة والدم المهدور
العيد ليس مجرد احتفال بالذبائح، بل هو تذكير للتضحية الحقة، تضحية إبراهيم الخليل، التي رمزت للتفاني في سبيل الحق والعدل. لكن، ماذا يعني التضحية الحقة حينما تُضحي الشعوب بإخوتها؟
ماذا يعني العيد حينما يكون الدم المهدور في فلسطين عميقًا ولا يرى من ينقذه؟
إننا نرى اليوم مشهدًا مروعًا لأطفال ونساء يُقتلوا أمام أعين العالم، وآخرون يحيون العيد على أفراحهم، يذبحون الذبائح، ويضحكون على مناضلين يُسحقون تحت أقدام الاحتلال.
الدم ينسج جنازة الأضحية: مأساة فلسطين تتكرر تحت رماد العيد:
في كل عيد أضحى، تُذبح الخراف على مذابح البيوت، ويُسكب الدم من أجل إحياء سنة إبراهيم، رمز التضحية والطاعة. ولكن هذا العام، وفي قلب فلسطين، الدم لا يُذبح بل يُراق ويُسفك بدم بارد تحت سمع وبصر العالم. ماذا يعني أن يذبح الطفل الفلسطيني قبل أن يُذبح الكبش؟
ماذا يعني أن تنطلق رصاصات الاحتلال لتفتك بشيوخ ومسلمين ينشدون السلام في مساجدهم بينما يرتدي العرب أجمل ثيابهم للاحتفال؟
هذا الدم الذي ينسج جنازة الأضحية، هو دم أمة تُذبح أمام مرآى الحضارة والتقدم، وهي تغرق في برك الدم المليئة بالأشلاء والدموع.
المسجد الأقصى… شاهد على المآسي المتكررة
الأقصى، الذي يقصده المسلمون في كل عيد للصلاة والتضرع، بات اليوم مرمى القناصة، وجدارًا من دموع الأمهات التي لا تجف.
حيث تُخنق الأرواح، وتُسلب الحريات، وتُحاصر الحياة، في مشهد قاتم يعكس هشاشة الموقف العربي والعالمي أمام هذا الاحتلال الظالم.
كم من مرة هُدمت البيوت؟ وكم من مرة اقتُلعت شجرة؟ وكم من مرة دُمرت المساجد؟ وكم من مرة سُفك الدم في الحرم؟
القدس ليست فقط مدينة، بل هي نبض الأمة، ومفتاح القلب، وقلب الصراع الذي لا ينتهي.
صمت المآذن… ونداء السكين
في كل عيد، نُكَبِّر. نرفع أكفّنا إلى السماء ونردّد بصوتٍ متهدّج: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد”.
لكن ماذا تعني “الله أكبر” في زمنٍ تُذبح فيه الطفولة على أعتاب المسجد الأقصى، وتُقتلع قلوب الأمهات تحت الركام، وتُصبغ الجدران بلون الدماء لا الزينة؟
إنّ التكبير في أعيادنا بات يخرج من حناجر متعبة، ومآذن مصابةٍ بالحشرجة. صار العيد دعابةً سوداء تروى فوق جثث الأطفال، وكأنّنا بتنا نتفنّن في تزيين الذبح… لا الذبائح، بل ذبح الضمير، والهوية، والمروءة، والعدالة، والإسلام.
العرب يصلّون العيد بملابس نظيفة وعطورٍ فرنسية، بينما يصلي الطفل “آدم” في غزة بثيابٍ ممزقة وضمادة على عينه الوحيدة… إن بقي له عينٌ واحدة.
عيدنا بين النحر… والانتحار الروحي
إنّ الأضحى ليس طقوسًا تُؤدى… بل رسالة.
ذِكرى تضحية عظيمة تُورّثنا مبدأ: أن الدماء التي تُسفك لا تُراق عبثًا، بل لأجل الله، لأجل القيم، لأجل الرسالة.
لكن اليوم… أي رسالة نحملها ونحن نذبح ولا ننكر؟
أيّ عقيدة نحميها ونحن نترك أهلنا في قبضة الجحيم؟
أي إيمان هذا الذي يصمت على المجازر؟
أي صلاةٍ تُقبل و”المسجد الأقصى” يستغيث من السجّان؟
أي حجةٍ تُجزئ و”القدس” مصلوبةٌ على جدار العار العربي؟
إنّنا اليوم لا نذبح الأضاحي… بل نذبح الدين ذاته.
لا نذبح لنتقرّب، بل نذبح لنتهرّب.
نغسل أيدينا من لحم الأنعام، بينما تبقى ملوثةً بدماء الإخوة واليتامى.
الصمتُ العربيُّ… أخطر من قذائف العدو!
في البداية هناك تساؤل يطرح نفسه، “الصمت العربي… خيانة أم قنوط؟”
ليس أشد من رصاصة قنّاصٍ صهيوني…
إلا صمتُ الزعماء العرب الذين باعوا آخر ما تبقى من نخوتهم في سوق التطبيع!
العالم كلّه يتكلم عن الحق الفلسطيني…
إلا أنتم أيها العرب، أصبحتم لُسَناءَ في مجالس الكتمان، وعميانًا في ساحات المأساة!
الاحتلال يذبحُ على العلن، وأنتم تذبحون على استحياء!
أي عارٍ أعظم من أن يقتل العدوُّ أبناءنا… ونحنُ نبارك له باتفاقيات “سلام” لا تنجب سوى الخيانة؟!
لقد بات الصمت العربي على ما يجري في فلسطين جريمة في حق التاريخ، وجريمة في حق الإنسانية، وجريمة في حق الأديان كلها، التي تدعو للسلام والعدل والرحمة.
الصمت على المجازر هو مشاركة في الدماء التي تُراق. هو نفاق مفضوح بين القول والفعل، بين الخطاب السياسي المكبوت، والواقع المؤلم المترسخ.
فأين هي الدول التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان؟
أين هي الحكومات التي تُخاطب شعوبها عن الوحدة والكرامة؟
كيف يرضى العرب، في عيد الأضحى، أن يفرحوا بذبح الخراف، بينما أشلاء الأطفال تتناثر تحت أقدام المحتل؟
كيف يرضى المثقفون، والدعاة، ورجال الدين، والناشطون، أن يغلقوا أفواههم؟
إنها مأساة مجتمع عربي يئن من جراحه الداخلية، في حين يُقتل إخوانه على مرأى ومسمع.
لكن ما ذنب فلسطين إذا كانت الأمة العربية تعيش انقسامات داخلية قاتلة؟
هل يمكن لعرب منقسمين على أنفسهم، متناحرين على السلطة والمال والنفوذ، أن يقفوا صفًا واحدًا مع شعب يتعرض للذبح؟
النخب السياسية العربية، المحاصصة الطائفية، الانقسامات الجغرافية، الاستقطابات الأيديولوجية، كلها عوامل تضعف القدرة العربية على الوقوف في وجه الاحتلال.
والمصيبة الكبرى أن الشعوب العربية في كثير من الأحيان تبقى على هامش الأحداث، بين سلبية غريبة وانشغال بأنفسهم وأمورهم اليومية، وسط صراعاتهم الخاصة التي تعيد إنتاج واقع الأزمات.
الاحتلال الصهيوني: آلة قمع بلا هوادة
الاحتلال الإسرائيلي ليس مجرد قوة عسكرية تقمع، بل هو نظام احتلال بربري يستند إلى أسس عنصرية، يرفض أي شكل من أشكال السلام والعيش المشترك.
يستخدم الاحتلال كل أدوات القهر: الاعتقالات التعسفية، التهجير القسري، قصف المدنيين، تهويد الأرض، والحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي يجعل الحياة في غزة والضفة مسألة معجزة يومية.
في هذا العيد، تستمر آلة القتل في عملها بلا توقف، متجاهلة كل القوانين الدولية والمواثيق التي من المفترض أن تحمي المدنيين الأبرياء.