العالم العربي

“أبو شباب”.. حين تبني إسرائيل ميليشيا تحت غطاء العشائر في غزة

في خضم الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، تكشف الوقائع عن مشروع موازٍ تسعى إسرائيل إلى فرضه داخل القطاع، لا يتوقف عند الأهداف العسكرية التقليدية، بل يمتد إلى تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية الفلسطينية عبر استنساخ نموذج “روابط القرى” السابق في الضفة، لكن هذه المرة بثوب عشائري مسلّح، تمثّله ظاهرة ياسر أبو شباب وميليشياته.

منذ الأيام الأولى للحرب، راجت في الأوساط الإسرائيلية فكرة إدارة غزة في “اليوم التالي” عبر حكم العائلات والحمائل، بديلاً عن “حماستان” أو “فتحستان”، كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما أعاد للأذهان التجربة الفاشلة التي حاولت إسرائيل فرضها في الضفة نهاية السبعينيات.

لكن ما بدأ كأطروحة نظرية، سرعان ما وجد له تطبيقًا عمليًا في الجنوب، وتحديدًا في رفح، المدينة الحدودية التي عانت من تدمير شبه كلي خلال الحرب، وتحولت إلى مسرح لمخططات إسرائيلية تستهدف إعادة تشكيل المشهد الأمني والاجتماعي.

ميليشيا أبو شباب: من النهب إلى العمل المنظم

برز اسم ياسر أبو شباب، أحد أبناء عشيرة الترابين البدوية، كأبرز الفاعلين في هذه الفوضى، بعد أن شكّل ميليشيا مسلحة بدأت بسرقة قوافل الإغاثة في رفح علنًا وأمام أعين الجيش الإسرائيلي.

ومع مرور الوقت، ظهرت تقارير تفيد بتنسيقه المباشر مع سلطات الاحتلال، وبدعمه اللوجستي من جهات إسرائيلية.

مذكرة داخلية للأمم المتحدة، سُرّبت إلى واشنطن بوست، وصفت أبو شباب بأنه “العامل الأكثر تأثيرًا في عمليات النهب المنظم” للمساعدات في منطقة كرم أبو سالم، مؤكدة أن نشاطه يجري برعاية “سلبية، إن لم تكن فاعلة” من الجيش الإسرائيلي.

في المقابل، حاولت كتائب القسام كبح هذه الظاهرة، وأظهر تسجيل مصور استهداف عناصر من الميليشيا أثناء محاولتهم تفتيش منازل مدنيين، في مشهد عزز القناعة الشعبية بأن هذه المجموعات تعمل فعليًا لصالح الاحتلال.

افتضاح المشروع: شهادة ليبرمان

لكن المفاجأة الأبرز جاءت من الداخل الإسرائيلي، حين كشف وزير الحرب والمالية الأسبق أفيغدور ليبرمان، في تصريح صادم، أن إسرائيل هي من سلّحت هذه الميليشيات العشائرية بأوامر مباشرة من نتنياهو، دون علم مجلس الوزراء أو حتى بعض قادة الأجهزة الأمنية، بهدف خلق قوة موازية لحماس داخل غزة.

وقال ليبرمان في مقابلة إذاعية:
“زودت إسرائيل عائلات الجريمة في غزة بأسلحة هجومية، وبعضهم مرتبط بداعش. إنها سياسة نتنياهو القديمة: استخدم حماس ضد فتح، والآن يستخدم داعش ضد حماس.”

تصريح فجر عاصفة داخل إسرائيل، ودفع ديوان رئاسة الحكومة إلى إصدار بيان لم ينفِ فيه ما قاله ليبرمان، بل برّره بأنه جزء من “تكتيكات متعددة لهزيمة حماس”.

مشروع فاشل بلا حاضنة

رغم الضجة التي أثارها أبو شباب وميليشياته، إلا أن التقديرات تفيد بأن الظاهرة هامشية ومحدودة التأثير. فبحسب تقارير إسرائيلية، لا يتجاوز عدد عناصره 300 شخص، معظمهم من متورطي المخدرات والتهريب والدعارة، ويفتقرون لأي حاضنة اجتماعية حقيقية.

عائلة أبو شباب نفسها أصدرت بيانًا تبرأت فيه من أفعال ياسر، وأكدت أن ما يقوم به لا يمثل أبناءها. بينما يرى الغزيون أن هذه الظاهرة تشبه في رمزيتها جيش لحد في جنوب لبنان، وستلقى المصير ذاته عاجلًا أم آجلًا.

الدرس الفلسطيني

تُظهر تجربة أبو شباب أن أي مشروع إسرائيلي لتفكيك النسيج الفلسطيني عبر العشائر أو الميليشيات سيفشل، كما فشلت “روابط القرى” سابقًا. المجتمع الفلسطيني، رغم الجراح والمجاعة، لا يزال يرفض العمالة مهما كان مبررها، ولا يجد في الاحتلال شريكًا سياسيًا أو أمنيًا، بل خصمًا وجوديًا.

فلا مظلة قبلية، ولا ذريعة إنسانية، تستطيع تبرير مشروع مشبوه هدفه النهائي تفكيك غزة من الداخل. أما ما تبقى من الظاهرة، فيبدو أقرب إلى “فقاعة إعلامية” زرعتها إسرائيل ثم فضحها أحد أركانها بنفسه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى