ثقافة وتاريخ

عبدالباسط الساروت في ذكرى استشهاده الثامن من يونيو

أشعلت الذكرى السادسة لرحيل عبد الباسط الساروت شرارة الألم من جديد، فليس كل من يغادر الحياة تُطوى صفحته، بل هناك من تتحول ذكراه إلى لهيبٍ لا ينطفئ، ونشيدٍ لا يسكت، وصورةٍ تتكرر كلما هتف سوريّ للحرية.

رحل جسد الساروت، لكن صوته لا يزال يجلجل في الأزقة، في الوديان، في الحناجر التي آمنت بأن الكرامة لا تُهدى، بل تُنتزع.

لم يكن عبد الباسط حارس مرمى فحسب، بل كان حارساً لذاكرة وطنٍ بأكمله، وقف في وجه الظلم كأنه جدار من نار، وصدح باسمه حتى صار اسمه مرادفاً للصمود. ستة أعوام مرّت على استشهاده، لكن حكاية “بلبل الثورة” لم تنتهِ، بل بدأت.

أكّد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن عبد الباسط الساروت وُلد عام 1992 في حي البياضة بحمص وذلك وفق معلومات موثوقة من عدة مصادر.

أشار الإعلام المعارض إلى أن الساروت انخرط منذ عام 2011 في قيادة المظاهرات السلمية في مدينته، حيث كان حارس مرمى نادي الكرامة وجّه صوته بالشعر والأناشيد وتحول إلى رمز ثوري.

صرّح جنود من الجيش الحر وقيادات فصائل عربية بأن الساروت أسس كتيبة “شهداء البياضة”، وانضم لاحقاً إلى جيش العزة، قبل أن يتقدّم كقائد عسكري في جبهات ريف حماة الشمالي.

لَفت العديد من المصادر المعنية بالشأن السوري أن الساروت فقد أربعة من أشقائه خلال سنوات الثورة، وهو ما شكّل دافعاً قوياً لمشاركته المتصاعدة في القتال ضد النظام.

أضافت وسائل الإعلام المحلية والعالمية أنه تعرض لإصابة في منطقة تل ملح خلال معارك ضارية مع قوات النظام، ما أدى إلى نقله أولاً إلى مستشفى بإدلب ثم تركيا حيث أُجريت له عملية عاجلة نظراً لنزيف داخلي وتمزق بالأوعية الدموية.

أفاد الرائد جميل الصالح، قائد جيش العزة، أن عبد الباسط توفي فجر الثامن من يونيو 2019 في مستشفى بمدينة ريحانية جنوبي تركيا، عن عمر يناهز 27 عاماً.

أعلن المقدم سامر الصالح عبر حسابه الرسمي على تويتر: “نزف لكم نبأ استشهاد القائد العسكري عبد الباسط الساروت مقبّلاً غير مدبّر في ساحات القتال”.

لفت ناشطون وصحافيون إلى أن جنازته شيّعت في التاسع من يونيو 2019 بمعبر باب الهوى، تلاه موكب مهيب في بلدة الدانا بإدلب، شارك فيه آلاف السوريين.

صرّح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على صفحته بأن “تقبله الله تعالى في الشهداء والصالحين وعوضه الفردوس الأعلى”، مع عزاء وجه لشعبه وعائلته.

نوه هادي البحرة، المعارض السوري، إلى أن الساروت انتقل من طالب علم وإبداع رياضي وفني إلى قائد فقد بصيرته في السعي للحرية، وأن استشهاده جاء على أمل تحقيق حلم السوريين

أوضح خالد أبو صلاح، الإعلامي المقرب منه، أن وفاة الساروت في ظهر يوم السبت جعلته “بلبل الثورة وصوتها وفارسها”، موجّهاً التعازي والقول: “الله يرحمه ويتقبله من الشهداء”.

أضاف الصحافي هادي العبدالله عبر منشور مؤثر “لا كلام ولا مفردات تعطي البطل حقه .. لطالما تمنى الشهادة على أرض سوريا .. رحمك الله يا أخي”.

أشار ناشطون في ذكرى استشهاده إلى أن “صوته المبحوح” وأغانيه مثل “لأجل عيونك يا حمص” ونشيده للثورة جعلوا منه أيقونة لا تُنسى، وتجسيداً لروح المقاومة والشهادة.

نوه المعلقون على منصات سورية على أن ذكرى الثامن من يونيو 2025 جاءت مصادفة مع مرور ستة أعوام على غياب “حارس الثورة السورية”، مما زاد من وقع الأسى والانجذاب لإرثه الثوري.

أكد الناشط غياث شيخ دياب من خلال جدارية في بنش أن الساروت مثل “رمز التضحية والنضال” وأنه رغم مضي ستة أعوام، فإن اسمه وصورته لا يزالان حاضرين وسط المحتجين.

زعم بعض المستخدمين على ريديت أن بعض قصائده أو أناشيده كانت تتضمن خطاباً طائفياً، لكن آخرين نفوا صحتها وأكّدوا أن الساروت لم ينخرط فعلياً في دعوات طائفية، وأن سياق المعركة دفع بعض الأحيان لخطابات قوة دفاع ذات طابع طائفي في إطار مأساوي .

أوضح ناشط آخر أن “الساروت كان صاحب مبدأ وشجاع .. شخصيته كانت متماشية مع كل مراحل الثورة .. استشهد عام 2019 والناس شعروا أن الثورة انتهت معه”.

أشار الكثير من المستخدمين إلى تأثير أنغامه التي ما زالت تُذاع وتُقام في دمشق والمدن الأخرى

“وينك يا عبد الباسط .. لتسمع شو عم يغنو بالشام .. والله هالدنيا عتمت من بعد ما غابت عنها ضحكتك”

أكد آخرون عبر ريديت أن “ما أجمل المعمار الدمشقي!” حين تُسمع في الأنشودة التي يؤديها الساروت وسط دمشق.

لفت التعليق إلى وجدان السوريين حين يستخدمون أنغامه لتذكرهم بالثورة، وهو ما دفع البعض للقول “I cried my eyes out… What words! What a song!“.

حرص المؤرخون والأكاديميون السوريون على وصف الساروت بأنه الدمغة الحية لأسطورة الثورة، ذلك الإنسان الذي امتد جسده بين الملاعب والأرصفة وساحات القتال، وانتقل من الشهرة إلى الفناء، ومن اللعب إلى القتال .

في ذكرى اليوم، الثامن من يونيو 2025، تتجدد الذاكرة الجماعية للسوريين في مشهد تكرّره كل عام؛ حين يتصدّر اسم رجل لعب بين القفّاز والريف، وأمّن لمظلومين صوت الأمل بين الركام والندوب والحزن.

يعلق كثيرون على لسان الساروت عبر أغانٍ وأناشيد باتت تستنهض الروح

“سوريا جانا رمضان بعد رمضان العيد .. جتنا الجزائر ثائرة .. بيها الحرائر سايرة ..”.

ختم له الناشطون عبر صفحاتهم، قائلين “صار عندي معلومات متضاربة .. هو مانو مع الطائفية .. وسوريا شعب واحد… هو رمز مهم للثورة…”.

استنتج المجتمع الثوري أن الساروت عاش على الحافة الفاصلة بين الأرض والسماء، بين الصوت والسكوت، بين الدم والخلود، وأنه لم يمت لأنه لم يحيا كشخص عادي، بل رمزًا خالدًا بروحه الملتحفة بالنور والانتصار.

مُلخّص القول، أن الإرث الذي خلّفه الساروت لا يزال ينبض في وجدان السوريين، يشعل فيهم جذوة المقاومة، ويحثّهم على الاستمرار في نضالهم من أجل الحرية والكرامة.

ونحن اليوم في ذكرى استشهاده لا نرثي شهيداً فقط، بل نقرأ في وجهه وجه سوريا حين تبلغ أقصى تجلياتها في الصدق والإنسانية، ونتذكّر أن البطولة هي أن تعيش جنديًا في معركة الحق، وتقف شامخًا فوق حزن الأمة.

اختنق التاريخ باسمك يا عبد الباسط، وتلعثم الزمن في وداعك، لأنك لم تكن مجرّد رجل مرّ، بل كنت نبضاً ظلّ يقاتل حتى بعد توقف القلب.

لم تنكسر، بل رفعت راية الذين لا صوت لهم، وصنعت من نشيدك صدىً أبدياً في ضمير الثورة .. ستة أعوام مرّت منذ ارتقاء جسدك، لكنك لم تغادر، بل اتسعت في كل بيت، كل قصيدة، كل لافتة كُتبت بدماء السوريين.

سيبقى اسمك محفوظاً في وجدان الأمة، لأنك لم تعش عادياً، بل عشت كما يعيش الرموز: على الحافة بين الحياة والخلود، بين الصوت والصدى، بين اللهب والضياء.

ومهما طال الغياب، فصوتك باقٍ، وصورتك مشتعلة، ووصيتك باقية في الحناجر: “يا حرية ما في غيرك بديل.”

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى