
في تصعيد جديد يسلّط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق القانون الدولي، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 4 يونيو/حزيران 2025، على اعتراض سفينة “مادلين” الإنسانية التابعة لائتلاف “أسطول الحرية”، بينما كانت تبحر في المياه الدولية باتجاه قطاع غزة، بهدف كسر الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007.
السفينة، التي كانت ترفع العلم البريطاني وتحمل على متنها 12 ناشطًا من دول أوروبية وأمريكية وآسيوية، بينهم النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي ريما حسن، تم توقيفها بالقوة وجرها إلى ميناء أسدود. وفي الوقت الذي تبرر فيه إسرائيل هذه العملية بـ”أسباب أمنية”، فإن معظم ردود الفعل الحقوقية والقانونية الدولية اعتبرتها خرقًا خطيرًا للقانون الدولي للبحار والقانون الإنساني الدولي.
انتهاك صريح لاتفاقية قانون البحار
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، تتمتع جميع السفن في أعالي البحار بـ”حرية الملاحة”، ولا يجوز لدولة أن توقف سفينة ترفع علم دولة أخرى في المياه الدولية، إلا في حالات استثنائية واضحة (مثل القرصنة أو الاتجار بالبشر أو إذا كانت السفينة بلا جنسية).
لكن عملية اعتراض “مادلين” تمت دون أي سند قانوني يبرر هذا السلوك العسكري في أعالي البحار، ما يجعل ما حدث أقرب إلى “قرصنة بحرية ترعاها دولة” وفقًا لنص المادة 101 من الاتفاقية.
احتجاز تعسفي يرقى إلى الاختطاف
الناشطون المدنيون، الذين كان هدفهم المعلن إيصال مساعدات رمزية إلى قطاع غزة، تم احتجازهم دون أوامر قضائية أو اتهامات رسمية. ووفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 9)، فإن الاحتجاز التعسفي يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان، خاصة عندما لا يكون هناك تهديد فعلي أو حالة طوارئ.
خرق لمبدأ الحماية الإنسانية
القانون الدولي الإنساني يشدد على ضرورة عدم منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المدنيين في حالات النزاع. وتحديدًا، ينص قرار مجلس الأمن رقم 1860 لعام 2009 على وجوب تسهيل دخول المواد الإغاثية إلى قطاع غزة، ورفع الحصار المفروض على المدنيين.
عملية اعتراض “مادلين”، وإن كانت رمزية في حجم حمولتها، فإنها تحمل رسالة إنسانية عالمية، وكان ينبغي احترامها لا قمعها.
مساس بالحصانة البرلمانية والدبلوماسية
وجود نائبة برلمانية أوروبية على متن السفينة يضيف بُعدًا آخر للانتهاك. فوفق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)، يتمتع ممثلو الدول أو البرلمانات بحصانة خاصة في سياق المهام الرسمية أو الإنسانية. اعتقال أو احتجاز ممثل برلماني دون إذن رسمي من بلده، يُعد مساسًا بمبدأ السيادة البرلمانية للدول.
ردود دولية مستنكرة
• تركيا وصفت الحدث بأنه “قرصنة وتهديد لأمن الملاحة”.
• فرنسا طالبت بإعادة مواطنيها فورًا.
• إيران وصفت ما جرى بأنه “عمل عدائي وغير قانوني”.
• السلطة الفلسطينية وحماس طالبتا بإطلاق سراح النشطاء فورًا.
وفي ظل تحذيرات الأمم المتحدة من خطر المجاعة في غزة، تبدو هذه العملية العسكرية ضد سفينة إنسانية دليلاً آخر على أن إسرائيل تستخدم الحصار كأداة عقاب جماعي، وهو ما قد يُعتبر في سياقات معينة جريمة حرب.
إن ما حدث مع سفينة “مادلين” ليس مجرد حادث بحري عابر، بل هو تعبير عن سياسة مستمرة من انتهاك القانون الدولي دون رادع. وعلى المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، التحرك الجاد لمحاسبة من ينتهكون القانون في العلن، تحت ذرائع واهية.
فالسفن الإنسانية لا تحمل خطرًا، بل تحمل أملاً، ومحاولة إسكات هذا الأمل بالقوة، هو انتهاك لا يجب أن يمر بصمت