
أمس الاحد 8يونيو 2025، نشرت مقالًا بعنوان:
هل تهدي مصر العرب رئيس وزراء تحت التمرين؟، وقدّمت من خلاله عشرة أسماء كبيرة من المصريين والمصريات الذين يليقون بتولّي منصب أمين عام جامعة الدول العربية، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.
لم يكن المقال تعليقًا على ترشيح باهت فحسب، بل محاولة استباقية لمنع ما هو أخطر، وهو ما ألمحت إليه ضمنيًا في إشارات متكررة إلى موقف كل من السعودية والجزائر.
بعد نشر المقال بساعات، خرج علينا عماد جاد، ليقترح بكل هدوء متصنّع نقل مقر جامعةالدول العربية إلى الرياض، وتعيين أمين عام سعودي.
قد يُخيَّل للبعض أن ذلك مجرّد مصادفة، لكنه في جوهره توقيت محسوب بدقة، واستثمار متصاعد لتراجع الدور المصري، ورغبة في إعادة هندسة مركز القرار العربي.
إن ترشيح شخصية باهتة كالدكتور مصطفى مدبولي لا يقتصر على كونه خيارًا ضعيفًا، بل هو مفتاح لسلسلة من التراجعات تبدأ بانسحاب مصر الرمزي من صدارة القرار العربي، وتنتهي بخضوع النظام الإقليمي لمعادلات جديدة.
كان الهدف من مقالي أن أغلق الباب أمام هذه المغامرات، لكن خروج عماد جاد بهذا الوضوح يفتح النوافذ لرياح لا تعرف إلا اقتلاع الثوابت.
صمت الدولة عن هذا العبث – ترشيحًا وترويجًا – يعني تخلّيًا عن الإرث، وانسحابًا من المكانة، وتفريطًا في السيادة الرمزية.
ما بين تسريب مصطفى بكري لاسم مدبولي، واقتراح عماد جاد… تتسلل الفكرة الكبرى: ضرورة أن تطرح مصر اسمًا لا يُطعن فيه، ولا يُشكك في رمزيته، اسمًا بحجم الإمام أحمد الطيب.
فالمعركة هنا ليست بين أسماء، بل بين من يرى في الجامعة حلمًا قابلًا للاستعادة، ومن يراها عقبة يجب تجاوزها ضمن مشاريع بديلة.
يلحّ السؤال: هل من قبيل المصادفة أن أول من سرّب اسم مصطفى مدبولي هو مصطفى بكري، صاحب كتاب سعودية تيران وصنافير؟ وهل ننسى مراسلاته الشهيرة مع السفير السعودي الأسبق أحمد القطان؟
ثم يظهر فجأة الليبرالي/السلفي التفكير، عماد جاد، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ليعلن أن القاهرة فقدت أهليتها… بينما يعيش تحت سقفها ويأكل من خيراتها!
المصادفة – التي لم تعد كذلك – أن من سرّب الاسم (بكري)، ومن أطلق السهم الأول من قلب القاهرة (جاد)، يختلفان ظاهريًا في كل شيء: هذا ناصري قومي، وذاك ليبرالي ديمقراطي، لكنهما يتطابقان وظيفيًا، ويلعبان أدوارًا متكاملة في لحظة دقيقة.
كلاهما من أكثر الأصوات الزاعقة بتخوين كل من يعارضهم سياسيًا، أو بالأحرى… وظيفيًا.
بكري، الذي نشأ في حضن حزب التجمع اليساري، انقلب عليه باكرًا، وتحول إلى خنجر في خاصرته. الرجل الذي كان أحد وجوه أجهزة أمن مبارك، أصبح يهتف بسقوطه في ميدان التحرير! ومن عدو تاريخي للإخوان، إلى حليف لهم عام 2012، ثم إلى منقلب عليهم عام 2013.
من رجل القذافي والأسد وصدام، إلى مندوب غير رسمي للمملكة السعودية فيما تبقى من مسيرته.
أما عماد جاد، الباحث المخضرم في الشأن الإسرائيلي، فهو من أوائل من دعوا إلى التطبيع، ومن قلائل الليبراليين الذين روّجوا لترشيح الفريق محمود حجازي لرئاسة الجمهورية، في انسجام مبكر مع رؤية خليجية كانت تبحث عن بديل عسكري للنظام القائم.
أيها السادة: أُعلن بوضوح، وأُؤكّد المؤكّد:
اختلفت – وما زلت أختلف – مع مشروع ما بعد ٣ يونيو 2013. عارضت نظام عبد الفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى، وسأظل أعارض ممارسات هذا النظام بكل وضوح وشفافية. السعودية ليست خصمًا ولا هاجسًا، بل دولة شقيقة أحترمها، لم ولن أغلق باب الحوار مع أحد، وخلافنا مع إدارة الملك عبدالله كان حول التدخل في شؤوننا الداخلية.
لكن، كل ما سبق لا يعني القبول أو الرضا أو الترويج لأي مشروع لتهميش مصر، أو مباركة أو المشاركة في حلم من يسعون لنقل القلب العربي من موضعه التاريخي إلى أي موضع آخر، مهما كان مقدّرًا وعزيزًا.
لهذا أعلن صراحة: أدين بشدة مقترح عماد جاد، وأرفض التمهيد الوظيفي الذي قام به مصطفى بكري، حين روّج لترشيح مدبولي لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية.