أخبار العالمملفات وتقارير

من الجليد إلى الجِمار .. حين يُصلي القطب الشمالي نحو الكعبة!

في مشهد يُشبه الأساطير، تخرج أرواح من قلب الجليد، تُسابق الريح والظلمات، قاصدة أطهر بقاع الأرض .. لا بالحافلات ولا الطائرات، بل بمزلجات تسابق الانهيارات، وخيام تُغرس على الثلوج لا الرمال، وقلوب تشتعل شوقًا وسط صقيعٍ يقصم العظام.

هذا ليس سيناريو لفيلم خيالي، بل تحقيق واقعي يعرض لأول مرة تفاصيل صادمة ومذهلة عن رحلة حُجّاج من غرينلاند، مَن تحدّوا أقسى البيئات وأبعد المسافات وأخطر الظروف، ليصلوا إلى مكة المكرمة، حجهم ليس فقط عبادة، بل تحدٍ وجودي ضد العزلة، والطقس، والحدود، والبيروقراطية، وحتى المنطق.

كيف يصوم الحاج في ليلٍ لا ينتهي؟ كيف يُميّز القبلة وسط العواصف القطبية؟ وما الذي يدفع إنسانًا أن يُغامر بحياته لعبور قارات كاملة فوق بحرٍ متجمد فقط ليُلبي نداء “لبيك اللهم لبيك”؟

موقع “أخبار الغد“، يكشف لكم يوميات مزلزلة، وآراء نارية من قلب القطب، شهادات صادقة، وأصوات تصرخ بالدهشة، الخوف، الإعجاب، والغضب .. هذا ليس مجرد تحقيق صحفي، بل وثيقة إنسانية عن حج من عالم آخر.

كارثة إنسانية على الجليد: “الحج من القطب الشمالي” .. يوميات حاج من غرينلاند تقلب الموازين!

أشار إيينيك غوزيلإنغ إلى أن الفكرة بدأت خلال دراسات ثقافية، “حين قابلتُ حاجًا تونسيًا مهجوسًا بتحقيق قصد الأندلس من الباب العظيم .. شعرتُ بفرصة لتقريب تجربة الحج من بيئة قاسية كغرينلاند.”

وأضاف: “لم يكن الأمر مجرد حلم؛ بل مغامرة روحية ترفض الاستسلام لكل صقيع”، تجربته الثانية والأشد إثارة جاءت في رحلته على المزلقة فوق الأنهار الجليدية، حيث لامس نفسه حدود الصبر الإنساني في تمهله للوصول إلى مكة، وهو يشق طريقه من قلب الصقيع والبرد القارس نحو دفء الصحراء الحارقة

وعورة الطريق وأنين الجليد

أكد نورتارك عاثيم أن المثل الأعلى تحقّق من خلال رحلة “شروق الجليد”، واتسعمال الزلاجات الهوائية، واصفًا أصوات الانهيارات الجليدية بأنها “أنشودة موت تزفنا للكبرى الرحمة”.

“كانت ليلةً بيضاء تحت شفق قطبي باهر، تشبه الحر والغيوم الدخانية حين تقترب من كعبة إبراهيم.” تابع: “دعوت ربّي وأنا أُمسك حبلًا من أثر صخرة متصدعة… صوت قلبي الحار من عمق الصقيع”.

حوار مع متخصص روحاني

أوضح آماتوك كيلسن، وهو أستاذ روحاني في إحدي الجامعات، أن هذه الرحلة “تشبه عودة الإنسان إلى ذاته التي فُقدت في التمدّن”، داعيًا إلى الحوار بين المجاهيل الروحية للقطب الجنوبي والمقدمة المقدّسة للمسجد الحرام.

قال كيلسن: “الإنسان حين يحارب الطبيعة القاسية، يقاتل أيضًا ذكرياته وخطايا الماضي. الحج هنا يصبح ملفًا مستمرًا، لا ينتهي بتحمّل السفر فقط، بل بطوي الضعف والفراغ.”

رأي مختص في أحوال الطقس والانهيارات

أكد تولارت براسو من خبير مختصص في الأرصاد الجوية وأحوال الطقس أن التغيرات المناخية جعلت الرحلة أكثر تحديًا.

قال: “الطريقة التقليدية في القطب حلّت محلها رحلات محفوفة بالمخاطر جراء ذوبان الجليد السريع، وتراجع الثلوج الموسمية. الحاج يعيش تجربة فيه شعلة روحانية، ولكنه يرزح تحت ضغط الجغرافيا والسياسة الحيوية.”

خلف العاصمة الصاخبة .. بداية غير مألوفة

أشار إيناكور ميتساحة، أحد الأهالي سابق نصب نفسه مرشدًا ثم وسيلة تمويل لسياحة الروح: “يا للنزيف الاقتصادي! رحلات كهذه تجرّ النظام التجاري الداخلي إلى عوالم مجهولة.

فهم يصطحبوننا بحجة الترجمة والدعم الفني، دون الاعتراف بحقوقنا كمقدمي خدمات، الحجة ذات بعد مزدوج: تكريم الروح وتهميش العامل المحلي.”

تامين طبي محموم

أكد ناليت مكين أن الفريق الطبي مطلوب في كل ثلجة جديدة، “كلما اقتربنا، ضربتنا نقص الأكسجين والرعشة.

لدينا حالات تجمد مصغّرة، انهيار نفسي، ونوبات هلع لا يُستهان بها، بقي الحاج الثلاثيني، بعد أن وطئت قدماه الرمل، وهو يرى الماء أول مرة دون جليد، يرتعش كالورقة في العاصفة.”

رحلة الطائر والمحراب

أوضح توريات هالورسون، مصوّر وثائقي: “صورت رحلاتهم أقرب إلى فيلم مغامرة روحي، الزلزال الأخضر الذي يلتقي مع أشعة قبة المسجد الحرام.

النظر إلى الحشرات الصغيرة التي تعيش تحت الجليد، ثم إلى الأذان في مكة، تجربة أوسع من تصوير الزمان والمكان.”

مخاطر الإقامة المؤقتة

أكد مارتاس إنجيلبرج أن مناسيب الغازات السامة الجليدية يمكن أن تُحضِر الموت رغماً عن الذهاب إلى الحرم.

“تنفس الهواء المضغوط تحت القشرة الجليدية قد يُسبب تسممًا صامتًا، دون إنذار سابق. لم نكن ندرك خطورته حتى بعد وصولنا”.

وجهة نظر فلسفية

أشار توناس جيريي إلى أن “الحج بتلك الشروط القاسية هو محاولة لإعادة كتابة معنى الحياة والعبادة، إنه إعادة تأسيس التجاوز الروحي تحت سقف الطبيعة اللامتناهية”، شرح “هذه التجربة تعبر عن رغبة الإنسان في قول كلمته رغم كل الحواجز.”

رأي طبي من نوع آخر

أكد ثورغسون راميار أن “الحرارة تحت القَبعة الجليدية تثير ضعف الدورة الدموية، ونقص المغذيات، وتضرّ نزيف المفاصل، إيرانُ الرحلة تخضع لرقابة الصحة، لكن لا شيئ يحاكي لحظة الإفاقة في مكة”.

شهادات مواطنين من غرينلاند السهلات

أشار نيتساس إيرغون إلى أن “أثّثنا بيوتنا بمواقد البترول والحطب بدافع الخشية من البرد، لكننا لم نتخيل أن نبني آلة (مزلجة-روحية) تقود الحاج من الجليد إلى الحجر الأسود، لعلها مفارقة قائمة بين التقدم والقربى”.

منظور ديني إسلامي

أوضح فيموس سارجي أن “العبرة ليست في المكان وحده، بل في نية القلب، الحج من غرينلاند علمنا أن النفس الحارة تغلب الهيئات مهما ساءت الظروف، كل لحظة احتكاك بالجليد كانت درسًا في التواضع والتسليم”.

مواطن عادي: ذروة الحنين

أكد بلينجاز كيلي إن “صحيح أن مكة تبعد آلاف الكيلومترات، ولكن الروح بالكاد تبعد عشرات السنتيمترات عن الرحمة، فرحتني أنني سمعته مع الزلاجة في الظلام، قبيل الأذان، فدعيته معي بالنجاح، حتى في المسافة.”

خبرة تنظيم الرحلة

أشار كليميك روان إلى أن “تنظيم الرحلة تطلب تراخيص حكومية، تجهيزات خاصة، وقبض أموال كبيرة، السوق السياحي يُرغمنا على تقديم خدمة حج بديلة بسعر مضاعف، هذا خلق دافعية تجارية منفصلة عن البعد الروحي”

رأي بيئي أخير

أكد إينغارند هالسين أن “كل خطوة تخطوها على الجليد تبعث ارتجاجًا في توازن بيئي هش. تسيير الحجيج إلى هناك قد يساهم في تسريع الانهيارات، ويؤثر على بيئتنا المستقبلية”.

الرحلة من أقصى الشمال إلى أولى القبلتين ليست مجرّد إنجاز، إنها صرخة تنظيمية وروحية واقتصادية وبيئية.

تجربة الحاج الغرينلاندية تحدّت كل المفاهيم، وعبّرت عن إنسان يتوق لأن يحج رغم كل العقبات، يُعيد تعريف العبودية والتحدّي، بين الجليد والنار، بين القطب والمحراب، بين الضياع والوجد.

وبين جليد الشمال ولهيب المشاعر .. يبقى الحج من غرينلاند صفعة على وجه المستحيل!

هنا، في هذا الركن المنسي من الأرض، لا تسقط الدموع بسبب حرارة الشمس، بل لأن حرارة الإيمان تذيب الثلج تحت الأقدام.

من بين أصوات الذئاب والرياح العاتية، ارتفعت “لبيك اللهم لبيك” تخرق الصمت القطبي، وكأنها تثبت أن النور يمكن أن ينبثق حتى من قلب العتمة.

الحج من غرينلاند ليس مجرد تجربة روحية .. بل صرخة وجودية، وثورة صامتة على كل القيود التي وضعتها الجغرافيا والمناخ والسياسة والبيروقراطية في وجه الإنسان المؤمن.

هو تذكير حيّ أن الإسلام لا يعرف حدودًا، وأن الإخلاص قد يسير على الجليد، ويتوضأ من الثلج، ويردد التكبير على أنقاض العزلة.

أمام تلك الزلاجات التي تشقّ طرقًا لا خرائط لها، وأمام تلك القلوب التي خاضت حربًا مع البرد، مع الوحدة، مع البعد .. يقف العالم مذهولًا، والضمير الإنساني مدفوعًا لإعادة تعريف مفاهيم التضحية والعقيدة والانتماء.

إنه ليس حجًا عاديًا .. إنه تحدٍ تاريخي، وحدث إنساني، وتجربة روحية تسحق الصمت، وتفتح أبواب الحرم من قلب القطب.

فهل سيتسع وُسع الأمة لفهم هذا النبض القطبي؟ أم سيظل صوت الثلج خافتًا في حضرة الأصوات المرتفعة من الجنوب؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى