مقالات وآراء

شادي طلعت يكتب : الجمهورية المصرية فقط: آن أوان الانسحاب من جامعة الدول العربية

قد آن أوان انسحاب (مصر) من جامعة الدول العربية، لأننا نعيش مرحلة فارقة، تعرضت مصر فيها للإستهداف من دول محسوبة عليها، تارة بالتهميش، وتارة بالتخلي عنها، وباتت تتعامل مع مصر بمنطق الوهاب المانح للصدقات.

لكنها مصر الحضارة التي يأبى التاريخ، والجغرافيا، إلا أن تتبوأ مكانها الطبيعي في الزعامة.

ولنتناول المسألة بهدوء وتروي، لنقف عن صحة رأي هذا أو رفضه :

تأسست (جامعة الدول العربية) بُناءً على دوافع قومية، وعنصرية لتعزيز الهوية العربية في مواجهة النفوذ التركي المحتمل.

وقد لعبت بريطانيا دوراً أساسياً في تأسيس (الجامعة) عام 1945، حيث دعمت توحيد الصف العربي، بعد الحرب العالمية الثانية.

وذلك لسعي بريطانيا للحفاظ على نفوذها في المنطقة العربية بعد تراجع تأثيرها في أماكن أخرى.

فكان ضغط بريطانيا لضمان وجود تحالف إقليمي يخدم مصالحها، ويحقق الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، من حيث التالي :

  • 1- الحد من النفوذ العثماني السابق، حيث كانت هناك مخاوف من عودة نفوذ تركيا الحديثة في المنطقة.
  • 2- تجميع الدول العربية في إطار سياسي موحد، ليسهل ذلك على بريطانيا التأثير على سياسات المنطقة.
  • 3- مواجهة النفوذ الفرنسي السوفييتي، حيث كانت الجامعة وسيلة لضمان استمرار الهيمنة البريطانية على المنطقة، مقابل النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا، والتوسع السوفييتي المحتمل في الشرق الأوسط.
  • 4- السيطرة على القضية الفلسطينية، فمع المطَالِب بإقامة دولة يهودية، كانت بريطانيا بحاجة إلى إطار سياسي يخفف الضغوط عليها، ويحافظ على توازن القوى بين الدول العربية.

ومنذ تأسيس (الجامعة) عام 1945، ظلت تمثل رمزاً للوحدة العربية (الحلم) وليس (الحقيقة).

لأنها في الواقع لم تكن يوماً ذراعاً فاعلة، لا لمصر، ولا لغيرها.

لقد أصبحت (جامعة الدول العربية) مع مرور الوقت كياناً شكلياً يفتقد الفعالية، ويعجز عن اتخاذ مواقف جادة، ولم تحقق أي إنجازات ملموسة أو استراتيجية على مستوى القضايا المصيرية.

ولطالما ثبُتَ فشل (الجامعة) المتكرر في أكثر من موضع مثل :

  • – فشلت في : حل الصراعات الخارجية، والداخلية للدول الأعضاء كما هو الحال في (فلسطين – اليمن – السعودية – سوريا – ليبيا – لبنان – العراق – المغرب – موريتانيا – السودان).
  • – فشلت في : تبني مشروع اقتصادي عربي موحد.
  • – فشلت في : تبني مشروع عسكري عربي مشترك.
  • – فشلت في : فرض احترام القرارات الصادرة عنها، سواء على مستوى الدول الأعضاء أو المستوى الإقليمي أو الدولي.

بل إنه في أحيان كثيرة، كانت (الجامعة) شاهد حق، على انقسام الدول العربية، ذلك لأن أعضائها يعيشون في ظل غياب أي آلية للمشاركة أو النقاش أو المحاسبة.

الحقيقية أن (جامعة الدول العربية) قد أصبحت عبء مالي، وإداري، ومعنوي، على دول بعينها، إذ تتكفل دول مثل مصر، والسعودية، والإمارات بالنصيب الأكبر من تمويلها، دون أي عائد حقيقي يُذكر.

لذلك : فإن بقاءها بشكلها الحالي لا يضيف للدول سوى الاجتماعات الدورية، والتصريحات الباهتة.

والنقطة الفيصلية في بقاء (مصر) في (الجامعة) أم انسحابها منها، هي مسألة (الهوية)، فمع أن إنشاء (الجامعة) قائم على العنصرية العربية، إلا أنه من ضمن أعضائها من هم غير عرب :

إذ تضم (الجامعة) 22 دولة، بعضها غير عربية عِرقاً، وسياسياً، وثقافياً مثل :الصومال، وجيبوتي، وجزر القمر، فجميعها دول إفريقية ذات تركيبة غير عربية، لكنها انضمت باسم الإنتماء الإسلامي فقط.

أما (المصريون) فهم من الناحية العرقية، والتاريخية، ينتمون إلى الحضارة المصرية القديمة، والتي سبقت العروبة، وانتماؤهم للعروبة سياسي، وثقافي بالدرجة الأولى، وليس عرقياً.

ومصر لم تحقق أي فائدة ملموسة من الجامعة، بل غالباً ما وجدت نفسها في موقع (الدفع) دون مقابل، ورغم استضافة مقر (الجامعة) بالقاهرة، إلا أنه لم تُمكّنها هذه الميزة من قيادة القرار العربي فعلياً.

وعلى الجانب الآخر قدمت مصر لـ (الجامعة) التالي :

  • أولاً/ قدمت مصر مقار رسمية، ومرافق دائمة في القاهرة.
  • ثانياً/ دعم لوجستي، وبشري متواصل.
  • ثالثاً/ قيادات مصرية كانت تتولى مناصب الأمانة العامة.
  • رابعاً/ مواقف سياسية اعطت لدول أعضاء شرعية، ما كانت لتنالها لولا مصر.
  • خامساً/ قدمت مصر للجامعة العربية، دماء زكية في أكثر من موضع.

الأسباب المنطقية لانسحاب مصر من جامعة الدول العربية :

1- توزيع ثروات بعض الدول الأعضاء لمن هم غير عرب، وترك مصر بلا أي مساعدة اقتصادية حقيقية، ففي الانسحاب رد اعتبار لمصر، لأن مصر لا تستجدي الصدقات، ولكن كان على تلك الدول رد جزء مما قدمته لها مصر قديماً، وحديثاً، بضخ المليارات في البنوك أو السوق المصرية.

  • 2- غياب (الجيش) العربي الموحد.
  • 3- عدم وجود (عملة) موحدة للدول الأعضاء.
  • 4- تخاذل الجامعة عن نصرة قضايا مركزية تخص مصر، ودول أعضاء.
  • 5- افتقار جامعة الدول العربية، للآليات التنفيذية والردعية.
  • 6- عدم العرفان العربي بكل ما سبق وقدمته مصر.

لذلك : فإن قرار الانسحاب ضرورة، وسيكون له آثاره مثل :

  • أولاً/ سيهتز الكيان العربي سياسياً، فمصر هي الدولة الأكبر سكانياً وتأثيراً، وانسحابها سيُشكل صفعة سياسية للمشروع العربي برُمّته.
  • ثانياً/ سيتم نقل مقر جامعة الدول العربية خارج القاهرة، وربما انهيار الجامعة فعلياً أو تقليص نفوذها.
  • ثالثاً/ ستتشجع دول أخرى على الانسحاب، مما سيهدد بتفككها.

والآن هل يمكن لمصر تعويض انسحابها من الجامعة بتحالفات بديلة، والإجابة هي نعم، من خلال عدة خيارات :

  • 1- تعزيز العلاقات الثنائية مع دول مؤثرة مثل دول الاتحاد الأوربي، وتركيا، والمغرب، والجزائر.
  • 2- وكذلك تقوية شراكاتها الأفريقية (الاتحاد الأفريقي).
  • 3- وأيضاً الدخول في تكتلات اقتصادية آسيوية أو متوسطية.
  • 4- توسيع الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا.

والسؤال : هل ستوافق الدول العربية على انسحاب مصر من جامعة الدول العربية :

في الغالب لن توافق الدول العربية على انسحاب مصر من الجامعة، فخروج مصر قد يفتح الباب أمام تصدّع داخلي في الجامعة.

ورؤيتي أنه :

ستسعى بعض الدول لمنع انسحاب مصر، حفاظاً على ما تبقى من رمزية الكيان العربي، وستسعى دول أعضاء بشتى الوسائل للحيلولة دون تحقيق الانسحاب، وسينفذون لمصر كُل شروطها، وسيرفعون من شأنها على عكس الوضع الراهن.

بيد أن الاستفادة السياسية لمصر من الانسحاب ستكون أجلُ وأعظَم مثل :

  • أولاً/ التخلص من التزامات غير ذات جدوى.
  • ثانياً/ استعادة القرار السيادي بعيداً عن الضغوط العربية.
  • ثالثاً/ فتح الباب لتشكيل تكتلات إقليمية جديدة تعكس مصالح مصر الفعلية.
  • رابعاً/ إرسال رسالة قوية بأن القاهرة لن تكون غطاءُ لجمود عربي مميت.

إن مصر قد تواجه ضغوطاً لردعها عن قرار الانسحاب، لكنها لن تخسر الكثير، لأن الجامعة العربية، لم تضف لها شيئاً فعلياً، بل أخذت ونالت منها من دون مقابل.

في النهاية :

إن انسحاب مصر من جامعة الدول العربية، سيحدث زلزال كبير في المنطقة، وسيكون قرار الانسحاب رد لمكانة مصر التاريخية، بعد أن خذلتها الدول العربية.

وسيكون دوي هذا القرار أكبر أثراً من قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، رداً على رفض البنك الدولي تمويل السد العالي.

لأن قرار الانسحاب من (الجامعة) سيرد لمصر اعتبارها، بعد أن نالت منه (جامعة الدول العربية).

لقد آن الأوان لفتح نقاش جدي داخل مصر حول جدوى استمرار العضوية في كيانٍ بات رمزاً للعجز، والتناقضات، أكثر من كونه منبراً للوحدة، والمصلحة العربية.

ولعل إعادة النظر في علاقة مصر بجامعة الدول العربية، سيكون أول خطوة على طريق استعادة الفاعلية السياسية الإقليمية.

وليست هذه السطور بمقال رأي، بقدر ما هي دعوة أو رسالة لمصر بكل مكوناتها، المسلمين والمسيحيين، ومن أصغر مواطن ذو أهلية إلى أعلى منصب في الدولة (رئيس الدولة).

فعلى الجميع إذاً أن يأخذوا هذا المقال بعين الاعتبار، وأن يناقشوا كل نقطة فيه بتمعن، بمنطق المصلحة لا العاطفة، طالما أننا نتفق على صالح (مصر).

واسمعوا قولي هذا ففيه إعلاء لشأن مصر، التي باتت مستهدفة من دول عديدة تسعى لتقزيمها، وإنهاء دورها.

إن في انسحاب مصر نبذ للعنصرية، وإعلاء لقييم ومبادئ حقوق الإنسان.

وآخر كلماتي : قد نزع العرب أيديهم أفلا تنزع مصر يدها، وتعود لهويتها.

وعلى الله قصد السبيل

شادي طلعت

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى