
في عام 2006، عندما فازت حماس في الانتخابات، فرضت إسرائيل حصاراً لا يطاق على غزة. وحظرت إسرائيل دخول المواد الغذائية والبضائع والأشخاص إلى غزة التي يقطنها أكثر من مليوني شخص، وأغلقت جميع المنافذ الجوية والبحرية والبرية.
وقد انتقدت الأمم المتحدة والصليب الأحمر و المنظمة الحقوقية الدولية مرارًا وتكرارًا الحصار باعتباره غير قانوني. في عام 2010، أبحرت سفينة مافي مرمرة لكسر الحصار المفروض على غزة وأوقفتها إسرائيل بعنف.
وفي هذا الأسبوع، أوقفت إسرائيل أيضاً سفينة ”مادلين“ التي أبحرت لكسر الحصار على غزة ومنع الإبادة الجماعية. هناك أوجه تشابه مهمة بين الحدثين والفترتين.
كانت سفينة «مافي مرمرة» التي انطلقت في عام 2010 مملوكة لمواطن تركي، وكان على متنها أكثر من 600 ناشط من دول مختلفة. كان هدفها كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية، وجذب اهتمام المجتمع الدولي إلى ما يعانيه السكان هناك من جوع وبؤس. انطلقت السفينة من إسطنبول
لكن أوقفتها القوات الإسرائيلية في المياه الدولية من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، وقتلوا عشرة من المنظمين الأتراك الذين لم يكونوا يحملون أي سلاح. لقد تجاوزت إسرائيل بوحشيتها وعدم احترامها للقانون حدود غزة، لتصل إلى الأجانب الذين يتضامنون مع غزة. لكن بعد الحادثة، واجهت إسرائيل موجة غضب عارمة في الرأي العام الدولي، وتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة ووُضع في موقف حرج.
لقد شكّل الحادث تعثرًا كبيرًا في تاريخ إسرائيل على الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي. فقد وُضعت إسرائيل في موقف صعب على الساحة الدولية، وتم تسليط الضوء على ممارساتها الجائرة في غزة ضمن الأجندة العالمية.
حتى أقرب حلفائها لم يترددوا في توجيه الانتقادات لرئيس الوزراء نتنياهو. كما أدى الحادث إلى تحرك العديد من الناشطين ومجموعات الدعم في أنحاء مختلفة من العالم. وخرج المتظاهرون إلى الشوارع في مدن منتشرة عبر القارات، مطالبين بالعدالة للضحايا ورفع الحصار عن غزة. من جانبهم، شرع الضحايا في متابعة قضاياهم في المحاكم المحلية والدولية بحثًا عن العدالة ضد إسرائيل.
واضطرت الحكومة الإسرائيلية لاحقًا إلى الاعتراف بأن بعض تصرفاتها كانت خاطئة، كما اضطرت إلى تخفيف الحصار المفروض على غزة.
بعد حادثة مافي مرمرة، تدهورت العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وتم طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة. كما تم تعليق العلاقات العسكرية والاقتصادية بين البلدين. واضطرت إسرائيل – وربما لأول مرة في تاريخها – إلى الاعتذار رسميًا من تركيا، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا.
ومن المعروف أن إسرائيل لا تعتذر عادة عن أخطائها في فلسطين، مثل الهجمات العشوائية على غزة، والمجازر ضد المدنيين، والاستيطان غير القانوني، وسياسات التمييز ضد الفلسطينيين.
لقد مهد النجاح الذي حققته سفينة مافي مرمرة الطريق لتشكيل «تحالف أسطول الحرية الدولي»، والذي يضم منظمات من عدة دول، من بينها الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وأستراليا. وكان هذا التحالف يناضل ضد الحصار حتى قبل اندلاع الحرب الأخير على غزة. وقد نظّم « تحالف أسطول الحرية» عدة رحلات إنسانية سابقة، لكنها كانت تُمنع من الوصول ويتم اعتراضها.
أما آخر هذه الحملات، فقد تمثلت في رحلة سفينة «مادلين». ورغم أن عدد النشطاء على متن السفينة كان قليلاً، إلا أنها نجحت في جذب انتباه الرأي العام العالمي، لأنها استندت إلى إرث مافي مرمرة. كما أن وجود شخصيات بارزة على متن السفينة، مثل الناشطة البيئية السويدية الشهيرة غريتا ثونبرغ وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، بالإضافة إلى صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، ساهم في إبراز القضية عالميًا.
وقد جاءت هذه الحملة في وقت بلغ فيه القتل والمجاعة في غزة مراحل متقدمة، وأصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق بعض القادة الإسرائيليين.
أسهمت الانتقادات اللاذعة التي وجهها الإعلام الأمريكي والإسرائيلي للسفينة في زيادة اهتمام الرأي العام العالمي بالقضية. ورغم طبيعة السفينة الإنسانية، أقدمت إسرائيل مجددًا على اعتراضها في المياه الدولية، في انتهاك واضح وغير قانوني، واعتقلت 12 راكبًا كانوا على متنها.
وقد قوبل هذا التصرف بإدانة واسعة من قبل العديد من المسؤولين، وعلى رأسهم مسؤولون في فرنسا وإسبانيا، إلى جانب منظمات دولية وشخصيات سياسية بارزة، ولا تزال موجة الاستنكار مستمرة. ويُرجى أن تسفر هذه الواقعة، على غرار ما حدث بعد حادثة مافي مرمرة، عن تشكيل ضغط دولي متزايد على إسرائيل، وردع الدول الداعمة لها، والمساهمة في التخفيف من آلام ومعاناة غزة