
“قافلة الصمود” في طريقها ل معبر رفح، لا كقافلة إنسانية فحسب، بل كاختبار صارخ لمكانة مصر الأخلاقية والسياسية في محيطها العربي والإسلامي، بل في ضمير الإنسانية جمعاء.
حتى هذه اللحظة، لم تنضم شخصيات عامة أو سياسية من داخل مصر إلى قافلة الصمود. هذا الغياب ليس محض صدفة، بل نتيجة طبيعية لحالة التوجس التي يعيشها الشارع المصري من موقف الدولة إزاء أي تحرك شعبي أو إنساني متعلق بغزة.
والأنكى من ذلك، أن هناك خشيةً حقيقية من أن تتخذ السلطة قرارًا بمنع القافلة أو إعاقتها عن الوصول إلى معبر رفح، تحت ذرائع أمنية أو سياسية لا يمكن أن تصمد أمام هذا الانفجار الأخلاقي الذي نشهده اليوم عالميًا تجاه ما يحدث في غزة.
لا تزال الفرصة قائمة — لتصحيح المسار، ولأن تتبنى مصر، رسميًا وشعبيًا، هذا التحرك وتجعله جزءًا من موقفها القومي والإنساني، لا مجرد صداع تحاول تجاوزه بصمت أو بالقمع.
إن السماح لقافلة الصمود بالمرور لا يعني مجرد إدخال مساعدات، بل هو إعلان واضح بأن مصر ليست طرفًا في الحصار، ولا تقف في خانة العدو، ولا تخشى أن ترفع راية الحق حين يتقاطع مع مصلحة الأمة. أما منع القافلة أو تجاهلها، فهو للأسف إعلان ضمني بأننا شركاء في خنق شعب يُذبح منذ شهور أمام أعين العالم، وأننا نرتضي أن تُوصم مصر، للمرة الأولى، بأنها تقف ضد محاولة حقيقية لفك الحصار.
هذه القافلة ليست مبادرة حزبية، ولا تحركًا شعبويًا عبثيًا، بل فرصة حقيقية لكي تتحرك الدولة المصرية وتحتضن القافلة كتحرك إنساني تحت رعايتها، وتأمينها، وقيادتها — فتستعيد بذلك ما فقدته من رمزية في الضمير العربي، وتمنع الانزلاق نحو مشهد قد يُحسب عليها لعقود قادمة.
ولا نبالغ حين نقول إن غزة لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار، والشعوب لم تعد تحتمل المزيد من الخذلان. كما أن كره البعض لحركات المقاومة أو خلافه مع حماس، لا يجب أن يعمينا عن الحقيقة الكبرى: أن غزة هي خط الدفاع الاستراتيجي الأول لأمن مصر القومي، وسقوطها لن يهدد فلسطين وحدها، بل بوابة سيناء، وصورة مصر، واستقرارها.
إلى صانع القرار المصري: لا تجعلوا من الشعب خصمًا
القافلة هذه المرة ليست مجرد شحنة مساعدات، بل غضب شعبي عالمي من صمت الدول. والمنع أو القمع هذه المرة لن يمر بسهولة. لن تُقنع الشعوب بالأعذار القديمة، ولن تُطفئ الغضب حجج السيادة أو الأمن. وإن لم تتدارك الدولة المصرية الموقف، فإنها ستخسر دعمًا شعبيًا طالما اعتُبر رصيدًا لها، وستواجه تهمًا تاريخية بالتواطؤ لن تُمحى بسهولة.
افتحوا الطريق لقافلة الصمود، وافتحوا معه صفحة جديدة تُكتب فيها مصر في خانة الشعوب لا في صفّ الحصار