ثقافة وتاريخملفات وتقارير

مجزرة مالية في قصر ثقافة الفيوم .. حينما تحول صرح ثقافي إلى مقبرة

قصر ثقافة الفيوم .. صرح ثقافي كان من المفترض أن يكون منارة للوعي والمعرفة، تحوّل بمرور الوقت إلى شاهد حي على أسوأ ما يمكن أن تفعله أيادي الفساد بالثقافة في مصر.

بين تعاقدات مشبوهة، تخريب متعمّد، وأموال عامة نُهبت دون محاسبة، موقع “أخبار الغد” يكشف في هذا التقرير واحدة من أكثر وقائع الفساد الجسيم في الهيئة العامة لقصور الثقافة، بطلتها شركة أُقصيت عمدًا، ليُفتح الباب أمام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة ليستولي على المشروع دون مناقصة حقيقية، في مخالفة صريحة لقانون الشراء الموحد.

مشروع جاهز يتم تدميره لإعادة طرحه للصيانة بضعف الثمن

في واحدة من أبشع صور الفساد الإداري والمالي في مصر تحولت محافظة الفيوم إلى ساحة لإهدار المال العام على مرأى ومسمع الجميع دون محاسبة ولا حتى تحقيق شكلي

قصر ثقافة الفيوم الذي تم الانتهاء من تنفيذه وتشغيله عبر شركة دلتا لأنظمة الحريق والتكييف والكهرباء تم تفريغه من محتواه عمدا بعد استلامه رسميا من الهيئة العامة لقصور الثقافة ليتحول إلى خرابة ومنصة لعقد صفقة جديدة بضعف القيمة

الهيئة تسلم ثم تتراجع ثم تهدم كل شيء وتدفع من جديد

شركة دلتا سلمت المشروع بالكامل بداية من أنظمة الإطفاء والإنذار مرورا بالتكييفات المركزية والمصاعد وصولا إلى شبكة الكهرباء الداخلية وتم التوقيع على محاضر استلام رسمية من مهندسي الهيئة وأوصوا برد التأمين النهائي للشركة

لكن فجأة دون سابق إنذار تجاهلت الهيئة كل شيء وقررت عدم تشغيل المشروع واستبعاده وتسوية شكلية مع الشركة دون صرف مستحقاتها وقامت بإسناد نفس المشروع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بقيمة 104 مليون جنيه أي أكثر من ضعف التكلفة

مشروع كامل يتم تدميره أمام أعين الجميع

بعد إسناد المشروع للمقاول الجديد بدأت أعمال التخريب لا التطوير تم اقتلاع منظومة الإطفاء التي كانت تعمل بكفاءة أزيلت المصاعد وتم تخريب شبكة التكييف المركزية نزع الرخام والدهانات والبلاط وحتى السباكة

تحول المبنى إلى هيكل خرساني أشبه بمبنى مهجور، كل هذا والقيادات تتحدث عن تطوير ما حدث ليس مجرد إعادة تطوير، بل تخريب ممنهج .. الموقع تحوّل إلى أطلال، لا تحتوي إلا على حديد مهمل وهياكل مشوهة.

أُزيلت بالكامل أنظمة الإطفاء والإنذار والمصاعد والتكييف الحديثة، تم اقتلاع الرخام وشبكات الصرف دون أي سبب فني، في عمل يصفه مهندسون بأنه “جنون هندسي”.

بلاغ كيدي وذريعة مفضوحة لإقصاء الشركة الأصلية

السبب الوحيد الذي تذرعت به الهيئة هو بلاغ قديم تم تقديمه ضد الشركة في مشروع آخر وتم حفظه مرتين لعدم وجود شبهة فساد ومع ذلك استخدم كذريعة لإبعاد الشركة رغم استيفائها كل المواصفات الفنية والمستندات القانونية ومحاضر الاستلام الرسمية

وثائق رسمية تؤكد التواطؤ

اللجنة الفنية التي عُقدت في 2021 ضمت مهندسين من الهيئة وشركة دلتا، وأكدت بعدم وجود مانع في الاستلام الابتدائي والنهائي، بل تم الاتفاق على رد التأمين النهائي للشركة.

السؤال هنا إذا كان الاستلام قانونيًا ومشروعًا، لماذا لم يتم تنفيذه؟ ولماذا أُهدرت ملايين الجنيهات بتفكيك مشروع مكتمل؟

القانون لا يسمح بما حدث لكن الهيئة فعلت ما تريد

قانون التعاقدات الحكومية رقم 182 لسنة 2018 يمنع الإسناد بالأمر المباشر إلا في حالات الضرورة القصوى أو الأمن القومي وهو ما لا ينطبق على قصر ثقافة الفيوم ومع ذلك تم الإسناد المباشر دون أي مناقصة ودون مبرر قانوني

البروباغندا الوزارية: الوزير يزور القصر ويصمت على الجريمة

في مشهد عبثي، زار وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو الموقع برفقة محافظ الفيوم الدكتور أحمد الأنصاري، واللواء خالد اللبان رئيس الهيئة،

وتفقد مكتبة الطفل والمسرح، والتقطت الصور الرسمية المعتادة، وتحدثوا عن خطة تطوير القصر ثم صرّح بأن “العمل جارٍ على قدم وساق” .. في حين أن الأرض الواقع تكشف عن دمار شامل لا علاقة له بأي تطوير.

هل يعلم الوزير أن القصر كان جاهزا وتم تدميره ؟

هل يعلم الوزير أن التطوير الذي يتحدث عنه، سبقه مشروع مكتمل دُمر عمدًا؟ هل يعلم أن ما يسمى بالتطوير ما هو إلا إعادة تنفيذ لما تم بالفعل

هل يعلم أن ملايين الجنيهات أُهدرت لصالح مقاول جديد؟

هل يعلم أن كل ما يقال عن خطة تسريع وتيرة العمل ما هو إلا غطاء رسمي لصفقة كُلفت الدولة 104 مليون جنيه دون وجه حق؟

صمت رسمي وغياب كامل للمحاسبة

لم يتم التحقيق مع أي مسؤول في الهيئة رغم أن الأوراق واضحة ومحاضر التسليم موثقة والوقائع مثبتة لا أحد سأل لماذا تم تدمير مشروع جاهز ولا أحد حاسب من أضاع الملايين

قصر الثقافة شاهد على نهب علني

القصر اليوم مغلق مهجور محطم المعدات والأجهزة دون تشغيل ودون فاعلية عشرات الملايين ذهبت إلى جيوب المقاولين والوسطاء والنتيجة صفر

ما حدث في الفيوم ليس استثناء بل منهج

هذه الجريمة ليست حالة شاذة بل هي جزء من منظومة فساد داخل هيئة قصور الثقافة حيث يتم طرد كل من يعمل بجد لصالح أصحاب العلاقات والمصالح تنهب الميزانية باسم التطوير بينما الواقع هو الهدم والإعادة لمجرد تمرير الصفقات

الأسوأ: الصمت الرسمي

حتى هذه اللحظة، لم يتم التحقيق مع أي مسؤول في الهيئة العامة لقصور الثقافة. لم تُحاسب أي جهة على الإهدار العمدي لما تم إنجازه. لم يُسأل أحد عن سبب إقصاء شركة دلتا رغم تسليمها الأعمال وفقًا للمعايير الهندسية وتقارير الحماية المدنية. والأدهى أن المشروع اليوم في وضع كارثي، دون تشغيل، ودون استخدام، رغم إنفاق عشرات الملايين عليه.

نهر الفساد لا يتوقف

ما جرى في الفيوم ليس حالة استثنائية. بل هو جزء من منظومة فساد ممتدة داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث يتم العبث بالمخصصات المالية، وتُهدر الأموال في مشروعات شكلية، ويُقصى الشرفاء لصالح مقاولين بعينهم، ويُستبعد من يقدم العمل الحقيقي لصالح من يجيد توزيع الفُتات على المسؤولين.

والنتيجة قاعات مهجورة، معدات مدمرة، مال عام منهوب، وثقافة تنهار أمام أعين الجميع.

أين الجهات الرقابية وأين الدولة من هذا العبث

كل ما سبق الوقائع مثبتة، والمستندات موجودة، ومحاضر رسمية تقارير هندسية وشهادات استلام تؤكد أن كل شيء كان جاهزًا، ودُمر المشروع، وتم التلاعب بالقانون .. لماذا تصمت الجهات الرقابية لماذا لا يتم التحقيق لماذا لا يتم محاسبة من أهدر المال العام

إن ما يحدث داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة يحتاج إلى فتح تحقيق عاجل من الجهات الرقابية، ووقف هذا العبث، وإعادة الأمور إلى نصابها، ومحاسبة المسؤولين، لأن السكوت لم يعد جائزًا، والفيوم لا تستحق أن يُدفن مستقبلها الثقافي تحت ركام الفساد.

الفيوم تستغيث والثقافة تحتضر والفساد يزدهر

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى