مسرح قصور الثقافة بلا صاحب والنصوص تافهة والنتائج مُعدة سلفًا

تواصل الهيئة العامة لقصور الثقافة مسلسلها المهين من السقوط المؤسسي في واحدة من أسوأ فصول التردي الإداري والثقافي في التاريخ المعاصر
فالإدارة العامة للمسرح تحولت إلى بؤرة فساد فني وأخلاقي ومستنقع مجاملات يديره حفنة من المنتفعين الذين قتلوا المسرح وسحقوا المواهب وحولوا المهرجانات الإقليمية إلى مولد كبير يقسم الغنائم بين المقربين ويقصي أصحاب الكفاءة ويُصعد الأعمال التافهة التي لا تليق حتى بالمشاهدة المنزلية
تبدأ المأساة من مهرجان إقليم جنوب الصعيد الثقافي حيث جاء عرض حلم إخناتون قادما من قصر ثقافة الطود نص ميت وإخراج بلا روح وتمثيل مرتجف واستعراضات مضحكة وأزياء تنتمي لعصر التلفيق الفني لا التاريخ
ومع هذا حظي بالتصفيق والإشادة المعلبة من لجنة تحكيم مشبوهة تضم الدكتور عبد الناصر الجميل والمخرج خالد أبو ضيف والناقد محمود الحلواني ووليد الكوتش مقررا
وهم جميعا معروفون بقربهم من القيادات الإدارية العليا وتاريخهم حافل بالمجاملات والتربيطات ولا علاقة لهم إطلاقا بمعايير النزاهة أو الموضوعية

تتوالى الكارثة حين تُكشف نتائج المهرجانات الإقليمية في سائر الأقاليم وتكشف أن الفضيحة أكبر من مجرد لجنة أو عرض بل منظومة فساد متكاملة داخل الهيئة
ففي إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد تم مشاهدة 14 عرضا لم يُصعد منها إلا خمسة هي عرض حال من قصر الفشن وآخر رايات الأندلس من فرقة القاهرة وقبو الغربان من عين حلوان وشارع 19 من مركز الجيزة الثقافي والقروي المتمدن من روض الفرج
وكلها أعمال مرتبكة فنيا تم اختيارها بسبب صلات خاصة بأعضاء اللجنة التي تضم المخرج حمدي حسين والدكتورة لمياء أنور والمهندس محمد هاشم وهم بدورهم معروفون بالمحاباة للمخرجين والمؤلفين المحسوبين على دوائر النفوذ داخل الهيئة
وفي إقليم شرق الدلتا الأمر لم يختلف حيث تابعت اللجنة التي تتكون من الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا والمخرج سمير زاهر ومهندسة الديكور داليا فؤاد 16 عرضا
تم تصعيد أربعة فقط منها قصر السنبلاوين بمرسل إلى وقصر الزقازيق بعرض زمكان وقصر كفر الشيخ بالمنزل ذو الشرفات السبع وقصر دمياط الجديدة بملحمة السراب
وهي عروض لا تمثل سوى تدوير للأسماء ذاتها التي تحظى بالحماية والمجاملات منذ سنوات في تكرار فج لعقود الفساد المسرحي
إقليم غرب ووسط الدلتا شاهد 19 عرضا مسرحيا وصعد منها ستة فقط هي الطريق لقومية الغربية ونارمر لقومية المنوفية وسينما 30 لقومية البحيرة والوهم للمركز الثقافي بطنطا وحذاء مثقوب لقصر الشاطبي وليلة سقوط القمر لقومية الإسكندرية
والعجيب أن المؤلف محمود جمال الحديني يظهر اسمه في أكثر من عرض مصعد وكأن اللجنة تعمل على تمكينه شخصيا من كل الجوائز في مؤشر فج على التنسيق المسبق بين أطراف اللعبة القديمة
وفي وسط الصعيد نفس السيناريو يتكرر اللجنة التي تضم المهندس محمود حنفي والناقد مجدي الحمزاوي وصلاح فرغلي تصعد أربعة عروض فقط من أصل 12
وهي حجر القلب لقصر موط وسترة لقومية سوهاج والإسكافي ملكا لقومية المنيا وتاتانيا لقصر أحمد بهاء الدين في تكرار لنمط دعم الأسماء المضمونة المقرّبة بغض النظر عن المحتوى والمستوى والانهيار الكامل الذي تشهده العروض على المسرح
ثم تأتي الطامة الكبرى في إقليم القناة وسيناء حيث تابعت اللجنة التي تضم الناقد محمد علام والمخرج جلا عثمان والمهندس محمود جمال 11 عرضا
تم تصعيد أربعة فقط منها وهي كرنفال الأشباح من بيت فيصل واليد السوداء من ابدأ حلمك ببورسعيد والعائلة الحزينة من قصر الإسماعيلية وهاملت بالعربي من قومية الإسماعيلية
عروض مفككة مسرحيا وضعيفة سرديا وغير مؤثرة أو مبتكرة لكنها تمر كالعادة لأن العلاقات تحكم والمجاملات تدير والفساد يرسم
الفضيحة الأكبر أن إقليم جنوب الصعيد تم إرجاء نتائجه بشكل مثير للريبة وكأن اللجنة تنتظر تعليمات إضافية من القيادات لترتيب الأسماء وتفصيل الجوائز وتسكين النتائج
حسب تعليمات مكتب رئيس الهيئة في أكبر عملية تلاعب ممنهجة بالعقول والثقافة والمال العام وهي مؤامرة مفتوحة على الوعي تبدأ بمسرحية وتنتهي بإقصاء كفاءات حقيقية من أجل تمرير أهل الثقة على حساب أهل الفن
المؤلم أن الملايين تُهدر سنويا في هذا السيرك المسرحي الذي تديره الهيئة العامة لقصور الثقافة بأذرعها الملوثة بالفساد والتقصير
بينما لا تُسهم هذه العروض بأي شيء في دعم المسرح الجاد أو توسيع قاعدة الجمهور بل تُنتج المزيد من العروض المشوهة والنتائج المعلبة والاحتفالات المزيفة التي لا تنتمي للمسرح ولا للفن
الهيئة تحولت إلى كيان مغلق عصي على المحاسبة تُدار بنظام التوريث الثقافي داخل شلة متسلطة تحتكر القرارات والمهرجانات والدورات التدريبية والمناصب وتقسمها وفق الولاء وتُبعد كل من يخرج عن الصف أو يطالب بالشفافية أو العدالة وهو ما حول قصور الثقافة إلى خرائب بيروقراطية مغلقة على الجهل والفشل
كارثة مسرحية مدفوعة الأجر الإدارة العامة للمسرح تفتح أبوابها للشللية والفساد الثقافي المحمي
إن ما يحدث داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة لم يعد مجرد فساد إداري بل جريمة ثقافية مستمرة بحق أجيال كاملة من الفنانين والموهوبين الذين لا يجدون سبيلا للوصول أو المنافسة لأن المسرح بات حكرا على المحاسيب لا المبدعين وعلى أصحاب العلاقات لا أصحاب الأفكار
ولم يعد مقبولاً أن تستمر هذه الهيئة في ارتكاب نفس الجرائم الثقافية عاماً بعد عام دون محاسبة وأن يظل المسرح أداة في يد مجموعة من المقرّبين الذين يعيدون تدوير الفشل والإخفاق وتجميله في صورة مهرجانات لا تحترم عقل الجمهور ولا طموح الشباب بل تسحق الطاقات وتستنزف الأموال العامة في صورة عروض أقرب إلى المهزلة الفنية منها إلى أي مشروع ثقافي حقيقي
تكشف هذه الوقائع عن نهر لا يتوقف من الفساد الممتد داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة والتي أصبحت مثالاً صريحاً على الفشل الإداري وغياب الضمير وتحوّلها إلى أداة لتحطيم الإبداع لا لرعايته
وهو ما يستوجب تدخل فوري من الجهات الرقابية الأعلى لوقف هذا العبث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سفينة الثقافة الغارقة وسط لجان مغشوشة ونصوص مشوهة وقيادات تتقن دفن الحقيقة بيد وتوزيع المجاملات باليد الأخرى في أكبر عملية تواطؤ ضد الوعي في تاريخ المسرح المصري
هذا هو الوجه الحقيقي لمهرجانات المسرح الإقليمي التي تحولت إلى مسرحية هزلية بلا جمهور بلا ضمير بلا رؤية بلا عدالة بلا فن بلا مستقبل