مقالات وآراء

د. أحمد عطوان يكتب: “طهران تحترق”… سيناريوهات الرد الإيراني وأطراف الحرب الاقليمية

في فجر متوتر من توترات المنطقة العربية واقليمها، استيقظت طهران على صوت الانفجارات، لا بفعل زلزال طبيعي، بل جراء عدوان إسرائيلي هو الأعنف منذ عقود، استهدف قلب العاصمة الإيرانية، وضرب مناطق سكنية، مواقع عسكرية، ومنشآت يعتقد أنها مرتبطة بالقدرات النووية والصاروخية الإيرانية، ونجح في تحقيق اغتيالات دموية لنخبة من القيادات العسكرية والنووية والأمنية الإيرانية. 

ما حدث فجر الجمعة ليس مجرد هجوم خاطف ضمن لعبة الاستخبارات أو الرسائل الأمنية المعتادة بين تل أبيب وطهران. 

 بل هو تجاوز فج وخطير لكل الخطوط الحمراء، ويمثل انتقالا متعمدا من “الردع” إلى “الهجوم الاستباقي”، بهدف شل المشروع الإيراني وضرب أعصاب الدولة من الداخل. 

لكن الأخطر من الضربة ذاتها، هو تصريح نتنياهو الصادم، حين قال إن العملية تمت بمباركة “نبينا موسى يوشع بن نون”، وأردف بنداء عقائدي صريح لليهود: “كن قويًا وشجاعًا… إسرائيل ستنتصر على أعدائها”. 

هذا الخطاب لا يخفي خلفه سوى مشروع صهيوني صريح نحو حرب دينية شاملة، تستدعي العقيدة والتاريخ والأساطير والنبوءات لتبرير الإرهاب العسكري المعاصر. 

وتبقى إجابة السؤال: ماذا أرادت إسرائيل؟ 

لا يخفى أن دولة الاحتلال تسعى منذ سنوات لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، لكن الضربة الأخيرة تشير إلى تغيير جذري في الاستراتيجية    

أولا: استهداف منشآت حيوية داخل طهران يهدف لإضعاف القوة التكنولوجية والعسكرية الإيرانية من جذورها، ثانيا: استهداف شخصيات قيادية أو مراكز إدارة حساسة داخل الحرس الثوري هي محاولة لخلق فوضى في مركز القرار الإيراني. ثالثا: إسرائيل تريد جر إيران لرد عسكري مباشر، لتبرير عدوان أكبر، وربما يؤدي لتدخل أمريكي أو دولي واسع، في لحظة يشهد فيها العالم تصدعا في تماسكه الجيوسياسي. 

ولعل السؤال الذي يشغل بال الجميع حاليا: كيف سترد إيران؟ 

إيران، دولة تحمل عقيدة “الصبر الاستراتيجي”، لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بتحول طهران إلى غزة أخرى ولذلك فان سيناريوهات الرد الإيراني المتوقع قد يتراوح بين: ضربات مباشرة تستهدف قواعد عسكرية إسرائيلية وموانئ استراتيجية، أو ضربة شكلية من طهران مصاحبة لضربات حقيقة غير مباشرة وذلك بتحريك وكلائها الإقليميين من خلال حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، الحوثيين في اليمن، وربما خلايا نائمة في دول عربية أخرى. 

وقد يكون السيناريو الثالث وهو الأضعف حاليا باتباع سياسة رد محسوب “مؤجل”، كما فعلت بعد اغتيال قاسم سليماني، بهدف الإمساك بزمام المبادرة في الوقت المناسب. 

لكن الثابت أن السكوت لم يعد خيارا ايرانيا فالضربة طالت كرامة الدولة، وهيبة نظامها، وموقعها ضمن محور المقاومة. 

وتجبرنا الأحداث على طرح سؤال الساعة: هل بدأت الحرب الإقليمية الكبرى؟ 

من الصعب حاليا وفي اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الحكم بذلك لكن الثابت ما بعد هذه الضربة الإسرائيلية لن يكون كما قبلها. 

حتما التوترات ستصيب المنطقة جميعها مستقبلا، العراق واليمن ولبنان وسوريا وغزة والضفة والقدس ستكون على صفيح ساخن، والخليج العربي يتوجس ويترقب، سيما ان الرد قد يمر عبر مضيق هرمز أو الخليج العربي أو منشآت نفطية  أو أهداف استراتيجية حول العالم 

والحليفان الاستراتيجيان روسيا والصين لن يغضا الطرف عن ضرب حليف استراتيجي لهما في قلب العاصمة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي في حرج كبير؛ فهي لا تريد حربا شاملة من ناحية، لكنها لا تستطيع التخلي عن “أمن إسرائيل” من ناحية أخرى. 

اذن نحن أمام تصعيد قد يتحول سريعا إلى “حرب استنزاف إقليمية”، أو حتى “حرب عالمية بطبعة شرق أوسطية”، خاصة إذا تداخلت الملفات النووية، والنفطية، والعقائدية، مع خطوط التماس المتفجرة. 

لذلك حين عنونت المقال : “طهران تحترق” فما قصدت عنوانا دراميا، بل إنذار مبكر لنهاية مرحلة وبداية أخرى قد تحترق معها عواصم أخرى غربية وأوربية، 

فالحاصل أن إسرائيل لم تضرب فقط مواقع عسكرية واغتالت قيادات عسكرية، بل أطلقت رصاصة على ما تبقى من توازن في الشرق الأوسط. 

والرد الإيراني – أيا كانت صورته – سيفتح الباب إما لحرب لا أحد يعرف مداها أولانفجار دبلوماسي يسبق الانهيار. 

وحتى يحدث ذلك، سيبقى العالم، من واشنطن إلى موسكو، يترقب اللحظة التالية: هل ترد إيران؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل نكون جميعا شهودا على اللحظة التي تبدأ فيها الحرب الإقليمية الكبرى ومعركة لا قداسة لها ؟! 

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى