مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: الطريق إلى إنقاذ مصر من الاحتلال العسكري

منذ الانقلاب العسكري في 2013، تعيش مصر واحدة من أحلك فتراتها التاريخية، حيث تحولت من دولةٍ ذات موقع ريادي في العالمين العربي والإسلامي إلى دولة محتلة داخليًا من قبل منظومة عسكرية أمنية أجهضت الإرادة الشعبية، وصادرت الحقوق، وكممت الأفواه، وزجّت بعشرات الآلاف من خيرة أبنائها في المعتقلات.
إن إنقاذ مصر اليوم ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية وحضارية ملحة، تبدأ من تحرير الإنسان والعقل المصري، ومن أجل استعادة العقول والنهوض الحضاري وجب علينا ان نتابع المحاور التالية:

أولاً: مصر تحت الاحتلال العسكري- التشخيص الدقيق
الاحتلال الداخلي: يمارس الجيش في مصر دورًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا شاملًا، بما يشبه الاحتلال المنظم لمقدرات الدولة، من خلال السيطرة على مفاصل القرار، وتهميش المؤسسات المدنية.

تجريف النخبة: تم الزج بعشرات الآلاف من العلماء، أساتذة الجامعات، القضاة، المهندسين، الأطباء، رجال الأعمال، والبرلمانيين في السجون، ما أدى إلى فراغ معرفي وإداري خطير.

القمع والانهيار: شملت الممارسات الأمنية تصفية المعارضين، وتقييد الحريات، وتدمير منظومة التعليم والإعلام، مما ساهم في انهيار منظومة الدولة ككل.

ثانيًا: ماذا لو خرج المعتقلون؟

  1. نهضة علمية وتنموية شاملة.
    إطلاق العنان لعشرات الآلاف من العقول العلمية سيؤسس لحركة بحث علمي وتطوير معرفي غير مسبوقة.
    توجيه الكفاءات الهندسية والتقنية نحو استعادة البنية التحتية وتطوير الصناعة.
  2. إصلاح إداري ومؤسسي.
    استعادة الخبرات الإدارية والقانونية المحتجزة ستُسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ورقابية.
    إعادة هيكلة النظام القضائي والتعليمي لتأسيس حكم رشيد قائم على الكفاءة والشفافية.
  3. نهضة اقتصادية إنتاجية.
    الكوادر المعتقلة تضم رجال أعمال واقتصاديين قادرين على إطلاق مشاريع تنموية في الزراعة، الصناعة، والطاقة.
    كسر احتكار الجيش للاقتصاد وفتح المجال أمام القطاع الخاص الوطني.

ثالثًا: التأثير الاستراتيجي الإقليمي والدولي


استعادة الدور الإقليمي: مصر الحرة والعادلة قادرة على استعادة دورها الريادي في قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

مواجهة المشروع الصهيوني: تحرر مصر من قبضة العسكر يعني نهاية مشروع تصفية القضية الفلسطينية من البوابة المصرية، وبداية استراتيجية ردع إقليمي للمشروع الصهيوني.

التحالفات الحضارية: يمكن لمصر أن تقود تحالفات جديدة مع تركيا وماليزيا وجنوب إفريقيا لدعم قضايا العدالة والنهضة في الجنوب العالمي.

رابعًا: خارطة طريق للخلاص الوطني.

  1. إطلاق سراح المعتقلين فورًا كأولوية وطنية وذلك بتشكيل هيئة وطنية مستقلة للمصالحة الشاملة وإعادة الحقوق، ومن ثم إصدار عفو عام لكل المعتقلين السياسيين وضحايا النظام الأمني.
  2. مرحلة انتقالية بمرجعية شعبية.
    وذلك عبر تأسيس مجلس إنقاذ وطني مدني ذو مرجعية ثورية وطنية، يتولى الإشراف على مؤسسات الدولة وإعادة بناء الدستور، ينتهج إشراك كافة القوى السياسية والوطنية دون إقصاء.
  3. تفكيك الدولة العسكرية وبناء الدولة المدنية، وهذا لا يعنى تفكيك الجيش وانما وبكل وضوح
    إعادة هيكلة الجيش وإعادته إلى مهمته الأساسية كحامٍ للحدود.
    ومن ثم سنّ قوانين تمنع تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة والاقتصاد.

خاتمة:
إن إنقاذ مصر لا يعني فقط إسقاط نظام أو إنهاء سلطة، بل هو تحرير وطن وشعب من احتلال داخلي خانق، واستعادة دوره الحضاري والتاريخي.
إن مفتاح هذا التحرير يبدأ من تحرير العقول والضمائر، من خلف القضبان، وإطلاق العنان للنخب التي كبلها القمع. ولئن سكت العالم عن جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، فلن ننسي أن الاحتلال العسكري لمصر أخطر لأنه يغتال وطنًا بكامله من داخله، مصر تستحق الحياةوتستحق قيادة حرة واعية تنهض بها من جديد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى