مقالات وآراء

د. عدنان منصور يكتب : حرب إيران و«إسرائيل» تقرّر مصير الشرق الأوسط برمّته!

لم يكن قرار مجرم الحرب في تل أبيب بشنّ عدوان واسع النطاق على أهداف عسكريّة ومدنيّة في إيران غايته فقط ضرب المنشآت النوويّة والصاروخيّة الإيرانيّة، إذ انّ نتنياهو يعرف جيداً أنّ العدوان قد يؤخر البرنامج النووي الإيراني، لكنه لن يقضي عليه بالكامل، لا سيما أنّ الإيرانيين بامتلاكهم التكنولوجيا النووية، يستطيعون في وقت قياسيّ إعادة بناء ما تهدّم من منشآت تخصيب اليورانيوم وغيرها.


مشكلة الغرب مع إيران، وبالذات الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومعها «إسرائيل» تكمن في عداوتهم ورفضهم للنظام الإيرانيّ الذي يقف بالمرصاد في وجه سياسات الهيمنة والتسلط والاستغلال لواشنطن ومشاريعها، وهي تقود دول الغرب، وتحتضن دولة الاحتلال الإسرائيليّ في كلّ ما تقوم به من اعتداءات واحتلالات، ومجازر، وإبادة، وتدمير، طالت أكثر من دولة في المنطقة.


ليس برنامج إيران النوويّ السلميّ هو الذريعة الوحيدة الذي يدفع تواطؤ الولايات المتحدة و«إسرائيل»، ومعهما دول أوروبيّة لاتخاذ مواقف عدائيّة من طهران، وإنّما العداء ناجم عما تشكله إيران من أهميّة جيو ـ سياسية، واستراتيجية، وأمنية، وعسكرية، وبشرية، تحول دون احتواء الشرق الأوسط الكبير، الذي تعمل عليه واشنطن وتل أبيب منذ أكثر من أربعة عقود وحتى اليوم!


إيران ومنذ تأسيس جمهوريّتها الإسلاميّة، أصبحت في غربي آسيا بمثابة القلعة لقوى المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والتسلط الأميركي على السواء، إذ شكلت هذه القوى الخطوط الأماميّة العريضة، وهي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ولبنان، وسورية، والاحتلال الأميركيّ في سورية والعراق مدعومة من إيران.


رغم كلّ ما قامت به «إسرائيل» من حروب مدمّرة بدعم غربي لا محدود في غزة ولبنان، وسورية، لم تحقق الحروب لتل أبيب وواشنطن هدفهما السياسي، والأمني، والاستراتيجي، وهو وأد قوى المقاومة في المنطقة بشكل كامل، رغم كلّ ما تعرّضت له هذه القوى من ضربات موجعة في الصميم على يد جيش الاحتلال.


هنا يرى ترامب ونتنياهو ضرورة إزالة العقبة الرئيسة التي تقف بكلّ قوة في وجه المصالح الاستراتيجية الأميركية و«الإسرائيلية» في الشرق الأوسط، وتعطل مشاريعهما، وذلك، بالتخلص من النظام الإيراني وإسقاطه في الميدان، بعد أن فشلت كلّ العقوبات الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران منذ عام 1980 وحتى اللحظة، كما فشلت واشنطن ومعها تل أبيب في تأليب دول العالم على طهران، وتخويفه من السلاح النووي الإيراني الذي تسعى إليه طهران، وما يشكله من تهديد للأمن والسلام والاستقرار العالمي.


ما تريده واشنطن وتل أبيب من إسقاط النظام الإيراني، هو احتواء الشرق الأوسط بما فيه من دول، وأنظمة، وقادة، وثروات، ومال، ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه والتحكم بقراراته ومصيره لعقود لا أحد يعرف مداها.
شرق أوسط كبير بقيادة واشنطن سيشكل خطراً وتحدياً، وتهديداً أمنياً واستراتيجياً، وطاقوياً، وتجارياً لروسيا والصين، وسيجعل دوله دون استثناء كالدمى، تحرّكها واشنطن وتل أبيب وفق مصالحهما متى شاءت، دون قيد أو شرط، ودون أيّ اعتبار لها.


هنا تكمن حقيقة وخفايا الحرب المشتعلة بين طهران وتل أبيب، وأهميّة عزم إيران، على مواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدّي له مهما كلف الأمر من تضحيات، لمعرفة إيران المسبقة بأبعاد وأهداف الولايات المتحدة من الحرب وتداعياتها التي لن تقتصر على إيران وحدها. لذلك على دول العالم العربي وقادته، وبالذات على مصر قلب العالم العربي المهدّد أمنها القومي، والمملكة العربية السعودية بمكانتها، وتأثيرها، وبعدها العربي، والإسلامي والدولي، أن يدركوا جميعاً الأهداف البعيدة لترامب ونتنياهو في إشعالهما الحرب الدائرة اليوم.

إذ إنّ إسقاط النظام الإيراني، يعني أنّ مستقبل هذه الدول وأمنها القومي، وسيادتها وقرارها، واستقلالها، وثرواتها، ومصيرها، سيتحكّم بها، ويقبض عليها الأميركي والصهيوني. هنا تكمن مسؤولية دول الشرق الأوسط في الوقوف إلى جانب إيران، بمعزل عن الخلافات السياسية، والحساسيات الضيقة، والحسابات القديمة وهي تواجه العدوان الإسرائيلي، المدعوم بالمطلق من قبل واشنطن.


إنّ الوقوف الى جانب طهران في حربها ضدّ المعتدين، هو في الحقيقة، وقوف في وجه المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وإحباطه، وتجنيب دول الشرق الأوسط، وبالذات دول المشرق، الغرق في مستنقع الهيمنة والنفوذ الأميركي ـ الإسرائيلي.


لقد ظنّ كلّ من ترامب ونتنياهو، أنّ استهداف القادة العسكريين الإيرانيين على حين غرة، سيولّد فراغاً على مستوى القيادة، ويخلق حالة من الفوضى داخل الشعب الإيراني، مما سيمهّد الطريق على عملائهما في الداخل الإيراني، كي يتحرّكوا وينقضّوا على الدولة والنظام، عندها سيحققان الهدف الرئيسيّ من الحرب، وهذا ما لم يحصل!

هل توقع ترامب، ونتنياهو، رؤية المشهد في إيران و«إسرائيل» على حقيقته، وهو أنه مقابل اختباء الإسرائيليين في الملاجئ، كان ملايين الإيرانيين يخرجون إلى الشوارع، بكل أطيافهم، يهتفون بأعلى حناجرهم دعماً للجمهورية والنظام، مندّدين بالعدوان الإسرائيلي، وبـ «الشيطان الأكبر» مطالبين قادتهم بتلقين «إسرائيل» درساً لا تنساه؟!


هل أيقن ترامب ونتنياهو أنّ العدوان الإسرائيلي عزز الشعور الوطني والقومي للإيرانيين، ووحّدهم أكثر فأكثر في مواجهة العدوان والمعتدين وحلفائهم، دفاعاً عن كرامة وطنهم، وسيادته وإنجازاته في مختلف الميادين العلمية، والمعرفية والعسكرية والصناعية؟!
الحرب الدائرة اليوم، حرب مفصليّة، إما أن تردع «إسرائيل» وتتحرّر شعوب المنطقة، وإما سقوط الشرق الأوسط بكامله في أحضان واشنطن وتل أبيب!


روسيا، والصين، وباكستان، وغيرها من الدول في غربي آسيا، تدرك جيداً ما يريده ترامب ونتنياهو من الحرب وأهدافها على إيران، وتعلم جيداً أبعادها السياسية، والأمنية والاستراتيجية، والاقتصادية والتجارية، والطاقوية على مصالحهم القومية، كما على قادة دول المشرق العربي أيضا، أن يدركوا ما تحضّره مستقبلاً واشنطن وتل أبيب لدولهم وشعوبهم.


إنّه الشرق الأوسط بدوله على صفيح ساخن. الآتي من الأيام يلوح بالمزيد من المواجهات الساخنة لحرب من الحروب التي أدمن عليها مجرم حرب، صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بسبب ارتكابه جرائم حرب ضدّ الإنسانية!


ترامب أعلن أكثر من مرة أنه يريد إنهاء الحروب في العالم، وإذا به الداعم المؤيد، والمؤجّج، والمتواطئ بصورة مباشرة أو غير مباشرة في العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وسورية، والآن على إيران وثورتها ونظامها!
رئيس لم يفِ بوعده، ولم يتخلَّ يوماً عن انحيازه المقزز لدولة الاحتلال الإسرائيلية، غير عابئ بحرية الشعوب،
وحقوقها المشروعة…!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى