
في زمن التحولات الجذرية والأحداث المفصلية التي تمر بها المنطقة، يصبح من الحتمي أن تنهض مصر كمرجعية استراتيجية في معادلات الشرق الأوسط.
لا مجال للارتجال ولا للرهان على أدوات الدولة التقليدية فقط. المطلوب هو الارتقاء إلى مستوى التحدي. ويبدأ ذلك بقرار سياسي شجاع يتمثّل في انتقاء الأفضل من خبراء دبلوماسيين واستراتيجيين وأمنيين واقتصاديين—وإدخالهم في غرف مغلقة، يتم فيها دراسة الواقع المتغير، واستشراف السيناريوهات القادمة، ووضع أطر واضحة للتحرك المصري، داخلياً وخارجياً، بعيداً عن الارتجال وردود الأفعال الانفعالية.
ثم التوجهة نحو الجبهة الداخلية
لا يمكن لأي سياسة خارجية أن تستقيم دون جبهة داخلية متماسكة. فبناء شرعية الدور الإقليمي تبداء من الداخل: من إعادة فتح المجال العام، وتهيئة مناخ سياسي يسمح بتعدد الرؤى والآراء، والإفراج الفوري عن معتقلي الرأي والسياسة، وإطلاق حوار وطني حقيقي لا شكلي. هذا ليس ترفاً، بل أحد الشروط الوجودية لاستمرار الدور المصري المؤثر.
السيناريوهات الأربع التي يجب أن تتحرك الدولة المصرية عليها بالتوازي كما يلي:
أولا :السيناريو الدبلوماسي
فالاستمرار في بلورة موقف مصري مستقل، يدعم وحدة الدول العربية وسلامة أراضيها، مع التأكيد على ثوابت مصر التاريخية بشأن الأمن القومي العربي، ورفض أي ترتيبات إقليمية تتجاوز دور الدولة الوطنية لصالح مشاريع ما فوق أو ما دون الدول الممثلة في جامعه الدول العربية.
ثانيا:السيناريو الردعي ببناء قدرة ردع إقليمية في ملفات مثل الأمن المائي، والأمن الحدودي، والأمن الغذائي، مع تعزيز التحالفات الإقليمية والثنائية بعيداً عن التبعية.والتوجهة نحو أمتلاك أسلحة ردع متميزة
ثالثا:السيناريو الاقتصادي بإعادة تعريف المصالح الاقتصادية المصرية في ضوء التحولات الجارية، وتوسيع دوائر الشراكة مع قوى ناشئة، وعدم الرهان فقط على مراكز النفوذ التقليدية، مع تعزيز منظومة الاكتفاء الذاتي.مع العمل علي معالجة العجز التجاري والموازني
رابعا :الأنتباه للسيناريو الأسوأ بوضع خطط للطوارئ تشمل إدارة الأزمات المندلعه في الجوار المباشر (غزة، السودان، ليبيا)، وتحديد آليات مرنة للتعامل مع تدفق اللاجئين، وانهيارات محتملة لأنظمة إقليمية.
لا تزال مصر حجر الزاوية في الشرق الأوسط، لكن هذا الدور لا يُمنح، بل يُنتزع بالقدرة على المبادرة والاحترافية في التعامل، وبامتلاك رؤية جامعة تستند إلى الداخل، وتنفتح على الخارج بعقل الدولة، لا بعقل اللحظة. “طريق مصر” يبدأ من القاهرة، لكنه يجب أن يُرسم بأدوات جديدة، وعقول غير تقليدية، وشرعية متجددة قادرة على الاستجابة للتاريخ، لا الهروب منه