شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : هاجس النهاية يطارد إسرائيل…والقاهرة قد تكون المحطة الاخيرة

ليست نهاية إسرائيل، مجرد مقولة تُروّج في أوساط خصومها، بل هي هاجس عميق ومتجذر، يستوطن الوجدان الصهيوني ذاته… هاجسٌ يتسلل إلى ذهنية الساسة والمفكرين، ويتردد صداه في الغرف المغلقة قبل أن يدوّي على ألسنة الحاخامات.

الصهاينة يدركون – قبل غيرهم – أن الكيانات الاستيطانية عبر التاريخ لم تصمد طويلًا، وأن زوال الممالك الصليبية في الشرق لا يُعد استثناءً بل قاعدة. وقد عبّر مؤسس دولتهم، “ديفيد بن جوريون”، عن ذلك حين قال: “ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمة كبرى تتلقاها.” لم تكن نبوءته نابعة من ضعف، بل من وعي عميق بطبيعة الكيان، وهشاشته الديموغرافية والتاريخية والسيكولوجية.

وتزداد هذه الهواجس اتساعًا مع تحوّلات الواقع. ففي عام ٢٠٢٤، تراجع معدل النمو السكاني في إسرائيل إلى ١.١٪ فقط، مقارنة بـ١.٦٪ عام ٢٠٢٣، وهو ما يعكس ظاهرة هجرة معاكسة متصاعدة، مدفوعة بالرعب من مشاهد الموت، والانكشاف الاستراتيجي، وانهيار اليقين بالأمن الفردي والجماعي.

تشير بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية إلى أن عدد السكان بلغ ١٠ ملايين و٢٧ ألف نسمة، منهم ٧.٧ مليون يهودي وآخرون، بينما بلغ عدد الفلسطينيين من عرب ٤٨ نحو ٢.١ مليون بنسبة ٢١٪، يُضاف إليهم ٢١٦ ألف أجنبي. المفارقة أن أكثر من ٨٠٪ من اليهود يحملون جنسية مزدوجة، ما يجعل خيار “الفرار الآمن” قائمًا، بل مرجّحًا، في أي لحظة كسر أو صدمة.

ولعل ما شهدته إسرائيل ليلة أمس لم يكن مجرد ضربة عسكرية محدودة، بل لحظة وجودية كسرت الصورة النمطية لسطوة هذا الكيان. إذ أُحرقت سماء المدن الكبرى بصواريخ لم تُرصد، وسقطت مطاراتها، وانطفأ وهج قبتها الحديدية، فباتت كل مدينة مأهولة تحت مرمى الخوف، لا السلاح فقط.

تشير الأرقام الأولية إلى أن عام ٢٠٢٤ سجل رقمًا قياسيًا في هجرة الإسرائيليين اليهود، بلغ ٨٢,٧٠٠ شخص، مقارنة بـ٥٣ ألفًا فقط في ذروة الهجرات السابقة. واليوم، وبعد ليلة الفزع التي دفعت الملايين للنوم في الملاجئ، يُتوقع أن تتسارع هذه الهجرة بوتيرة غير مسبوقة، مما يُضعف البنية النفسية والديموغرافية لمجتمع لا يملك صبر المقاومة، ولا ثقافة التضحية.

ومع هذا التراجع السكاني، والاضطراب الأمني، وغياب التجانس العرقي والديني داخل الكيان، تُصبح نبوءة زوال إسرائيل في ٢٠٢٧ – التي طالما وُصفت بالأسطورية – أقرب إلى منطق الضرورة منها إلى خيال النبوءة.

لكن الخطر لا يقف عند حدود تل أبيب. فلو انكسرت إيران في هذا التحدي، وسقطت ظهران أمام هذا الاختبار الحاسم، فإن الهجوم التالي – وفق منطق الاستراتيجيا – لن يتجه شرقًا، بل جنوبًا… إلى القاهرة، التي قد تجد نفسها وحيدة أمام عاصفة إقليمية لا تستثني أحدًا.

لهذا، فإن المعركة الدائرة اليوم ليست معركة صواريخ ومضادات، بل اختبار لعصب الإقليم كله، ولحدود التوازن بين الفوضى والنظام، بين الزوال والبقاء، بين الواقع والأسطورة.

إن ما نحتاجه اليوم، ليس فقط الرصد الدقيق، بل الفهم الأعمق… لما يُقال، ولِما لا يُقال

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى