مقالات وآراء

الدكتور حمزة الكناني: ترامب بين إرث الحرب وإغواء نوبل للسلام

‏وهذا القرار ليس مجرد ميل شخصي، بل يستند إلى عدة أسباب استراتيجية وشخصية عميقة:

‏1. تجربة العراق المؤلمة
‏ترامب، مثل كثير من الاستراتيجيين الأميركيين، لا يريد تكرار مستنقع العراق، الذي كلّف الخزينة الأميركية أكثر من تريليونَي دولار بحسب Brown University’s Cost of War Project، وخسائر بشرية ونفسية هائلة.
وقد عبّر ترامب أكثر من مرة عن أن غزو العراق كان:
“أسوأ قرار في تاريخ أميركا”،وهو لا يريد أن يُسجل عليه أنه فتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط في نهاية ولايته الأخيرة.

  1. الصين وروسيا وباكستان في الخلفية:
    ‏يدرك ترامب أن إيران لم تعد دولة معزولة كما كانت، بل محاطة بتحالف غير معلن من قوى كبرى ترى في بقاء النظام الإيراني جزءًا من أمنها الاستراتيجي.
    الصين وروسيا النوويتان، تحديدًا، تعتبران أن أي تدخل عسكري أميركي مباشر ضد طهران سيُحوّل المنطقة إلى حرب استنزاف مديدة لأميركا، وهو ما يخدم أهدافهما الجيوسياسية بكبح الهيمنة الغربية.
    أما باكستان النووية، فترى في انهيار إيران تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، و”كسرًا للسياج الجيوسياسي” الذي يمنع تطويقها إقليميًا.
    ‏وقد صرّح وزير الخارجية الباكستاني الأسبق شاه محمود قريشي عام 2020 أن:
    ‏”نحن لا نريد حربًا في المنطقة… فإذا اندلعت، فلن تقف باكستان بمنأى عنها.”(المصدر: Al Jazeera, Dawn News 2020)
    ‏كما نقلت المصادر أن القيادة الباكستانية أبلغت واشنطن وطهران على حد سواء بأن:
    ‏”سقوط إيران أو استهدافها سيفتح أبواب الجحيم في الإقليم، وباكستان ستكون في مرمى النيران.”

‏3. الخليج تحت النار – النفط والغاز والمضائق:
‏مضيق هرمز، الذي تمر منه نحو 20% من تجارة النفط العالمية، سيكون هدفًا مباشرًا لأي رد إيراني.
‏كما أن البنية التحتية للطاقة في الخليج (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت) مهددة بالقصف، ما يعني شلّ الإمدادات العالمية.

‏ترامب، الذي يفاخر بنجاح الاقتصاد الأميركي وفرض التعريفات الجمركية وغيرها من الإجراءات التجارية و الاقتصادية ، لن يغامر بسحب السوق إلى فوضى نفطية عالمية تؤدي إلى انفجار أسعار الطاقة وركود اقتصادي.
‏وقد نقلت CNBC أن البنتاغون أبلغ ترامب مبكرًا بأن:

‏”أي مواجهة مباشرة مع إيران ستُهدد مصالح أميركا الحيوية في الطاقة، وستجعل من أمن الخليج عبئًا لا يمكن تحمّله.”

  1. التوازن القسري بدل الحرب المباشرة
    يرى البعض ان سلوك ترامب يشرح تبنيه عقيدة الردع دون الانخراط، او كما يطلق عليها بعض المحللين بـ مصطلح”التوازن القسري”، وهو ما يجعل من “الضغط من بعيد” أداة لتحقيق الأمن دون تكلفة الغرق في الصراعات.
  2. الحلم الدبلوماسي وجائزة نوبل
    كرجل يهتم بتراثه السياسي، فإن ترامب يرى أن إنجاز “سلام نووي بين إسرائيل وإيران” سيُدخل اسمه التاريخ، وربما يُرشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، بدل أن يُسجَّل كرئيس فجّر حربًا لا نهاية لها.
    وقد نقلت Fox News مؤخرًا عن أحد مستشاريه:
    “الرئيس يرى أن ما تفعله إسرائيل الآن ليس في مصلحة أميركا… وهو لن يسمح بزج القوات الأميركية في صراع طويل وغير محسوب العواقب.

السؤال الأهم:

لماذا لم يتم اعتراض كل الصواريخ الإيرانية؟
في ضوء ما سبق، فإن تفسير التهاون بمرور بعض الضربات يأخذ بعدًا سياسيًا أكثر من كونه تقنيًا.
ففنيًا و عسكرياً، لا توجد منظومة دفاعية قادرة على اعتراض 100% من الصواريخ، خصوصًا في الهجمات المركبة والمشبعة.
لكن سياسيًا،  ( ربما ) أن إدارة ترامب تهاونت ترك بعض الضربات تمرّ لأسباب مثل إبقاء إسرائيل في حالة حذر و تحت الضغط، وخلق مبررات سياسية للردود المحدودة، وإرسال رسائل لإيران بأن التصعيد سيبقى مضبوطًا طالما لم تُستهدف المصالح الأميركية.

‏ عن دور AIPAC: الضغط بصبر أم تمرد مكتوم؟

‏وبين هذا وذاك، يقف اللوبي الصهيوني في واشنطن حائرًا في كيفية التعامل مع رئيس لا يخضع للأدوات التقليدية للضغط السياسي، فرغم أن ترامب هو الحليف التاريخي لإسرائيل، إلا أن اللوبي الصهيوني في واشنطن (AIPAC) بدأ يشعر بقلق حقيقي من تباطؤ دعم ترامب للهجمات الإسرائيلية.
‏أوراقهم تتمثل في تأليب الكونغرس، واستخدام الإعلام المحافظ لإحراج ترامب، والضغط على نواب جمهوريين.
‏لكنهم لم يصطدموا علنًا به حتى الآن، لأنهم يعرفون أنه لا يملك ما يخسره، وبالتالي لا يمكن ابتزازه.ولوحظ أن AIPAC قلّلوا ظهورهم الإعلامي مؤخرًا، ربما لأنهم يعيدون دراسة كيفية التعامل مع رئيس لا يخضع للأدوات التقليدية للضغط السياسي.

‏عودة ومستقبل المفاوضات النووية: تهدئة مرحلية أم صفقة شاملة؟
‏وفي خلفية كل هذا التصعيد، تشير مصادر إعلامية إلى استعداد واشنطن لإعادة فتح قنوات التفاوض مع طهران، فرغم تصاعد الحرب الكلامية والضربات المتبادلة، تشير بعض المصادر الإعلامية و الدبلوماسية إلى أن الولايات المتحدة عبر وسطاء إقليميين ودوليين تُمهّد بهدوء لإعادة فتح قنوات الاتصال مع طهران بشأن برنامجها النووي، ضمن تصور بعيد المدى يشمل الأمن الإقليمي وتقييد الطموحات الإيرانية.

لكن، هل تُعد هذه المفاوضات جزءًا من اتفاق تهدئة مباشر بين إسرائيل وإيران؟

‏الإجابة: لا، ليست جزءًا صريحًا من الاتفاق العسكري أو الأمني بين الطرفين، لكنها مرتبطة به بشكل غير مباشر.
‏فالهدف الأميركي – حسب تقرير The Wall Street Journal بتاريخ 7 جون 2025 – هو:
‏”منع التصعيد العسكري من تقويض احتمالات العودة إلى المفاوضات النووية، وترك باب الدبلوماسية مواربًا حتى في ذروة التوتر.”
‏وقد نقل دبلوماسي أوروبي مشارك في جهود الوساطة أن إيران لم ترفض مبدأ العودة للمفاوضات، لكنها تشترط:
‏”وقف العمليات الإسرائيلية داخل أراضيها كليًا” قبل أي تقدم في هذا الملف.

‏في الختام:
‏ترامب اليوم ليس رجل الحملة الانتخابية، بل رجل الإرث السياسي.

‏وفي ضوء ما تقدم، يريد أن يُحسب له أنه أعاد رسم حدود الدم والبارود في الشرق الأوسط، لا أنه غرق فيها.

‏وهكذا، في لعبة النار والدخان هذه، قد تكون “الضربة التي تمرّ” أقوى من مئة صاروخ يُعترض.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى