
في كلمات مؤثرة، كتبت الأستاذة هبة عادل عيد عبر صفحتها الشخصية على “فيس بوك” رثاءً صادقًا لوالدها الراحل الأستاذ عادل عيد، أحد رموز القضاء والمحاماة في مصر، الذي وافته المنية عام 2006 بعد رحلة طويلة من العطاء المهني والإنساني المشهود له بالكفاءة والنزاهة.
“بالتأكيد أنك الآن في عالم أفضل من عالمنا… في زمن غير زمننا…
لكني أتساءل: ماذا كنت ستقول لو كنت معنا في هذا الزمن؟
كل سنة وأنت طيب.”
الأستاذ عادل عيد كان قاضياً في ستينات القرن الماضي، ثم اتجه إلى مهنة المحاماة منذ عام 1970 وحتى وفاته في عام 2006، ليصبح من كبار المحامين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاحترام.
برغم كونه معارضًا في كثير من المواقف، إلا أنه كان مثالاً في عفة اللسان، والاحترام المتبادل، وكان محبوبًا من الجميع، حتى من معارضيه. وقد شهدت بذلك مواقف عديدة، منها أنه في سنوات مرضه الأخيرة، اتصل به الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ليطمئن عليه
في ذكرى قرارات سبتمبر
عادل عيد.. المعارض الشريف الذي رفض الوزارة ودفع ثمن مواقفه
تحل هذه الأيام الذكرى الخامسة والثلاثون لقرارات سبتمبر 1981، والتي ستظل واحدة من أكثر المحطات السياسية حساسية في تاريخ مصر الحديث. قرارات اتخذها الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل أسابيع قليلة من اغتياله، حين أمر بحملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 1500 شخصية من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري، في محاولة لاحتواء موجات الغضب المتصاعدة ضد سياساته في ذلك الوقت.
الإسكندرية تحت وطأة الحملة
لم تكن الإسكندرية بمعزل عن تلك الأحداث، بل كانت إحدى أكثر المحافظات التي شهدت اعتقالات واسعة طالت رموز العمل الوطني والمعارضة السياسية والفكرية. ومن بين أبرز المعتقلين في تلك الحملة: الدكتور القاضي، وأبو العز الحريري، وكمال أحمد، والراحل الشيخ محمود عيد، وممتاز نصار، والدكتور حلمي مراد، والمناضل إبراهيم شكري، إلى جانب العشرات من الرموز الوطنية التي حملت لواء الدفاع عن الحريات والديمقراطية في مصر.
عادل عيد.. من القضاء إلى ساحة المعارضة
وسط هذا المشهد، يبرز اسم عادل عيد كأحد أبرز هؤلاء المناضلين الذين دفعوا ثمناً غالياً لمواقفهم الشجاعة. بدأت معاناته مبكرًا حين جرى فصله من عمله بالقضاء خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في ما عرف بـ “مذبحة القضاء”، نتيجة مواقفه المستقلة والمناهضة للتدخل في شؤون القضاء.
ثم جاءت حقبة السادات لتضاعف معاناته، حيث ضاق النظام ذرعاً بآرائه المعارضة الجريئة، فكان ضمن قائمة المعتقلين في قرارات سبتمبر الشهيرة. ومع ذلك، لم تفتر عزيمته وظل وفيًا لقناعاته الوطنية.
في البرلمان.. أداء يُشهد له به
على مدار أكثر من عقدين، ظل عادل عيد ممنوعاً من ممارسة نشاطه السياسي بحرية، حتى تمكن في النهاية من الوصول إلى البرلمان نائباً عن دائرة باب شرقي بالإسكندرية. وهناك، أثبت أنه ليس مجرد معارض تقليدي، بل برلماني من طراز رفيع. حاز احترام الجميع، حتى خصومه السياسيين الذين كانوا يستعينون برأيه في صياغة عدد من التشريعات والقوانين، في مشهد نادر يعكس مصداقيته وكفاءته القانونية.
ويحكي مقربون كيف كان رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت يلجأ إليه للمساهمة في سن بعض القوانين لما عُرف عنه من نزاهة واستقامة وطنية.
رفض الوزارة… وتمسك بالمبدأ
وفي شهادة مؤثرة ترويها ابنته هبة عادل عيد، تكشف عن عرضٍ قدم له لتولي منصب وزاري في عهد السادات، لكنه رفض بإصرار مفضلاً البقاء تحت قبة البرلمان قريبًا من نبض الناس وهمومهم، رافضًا في الوقت ذاته العديد من المناصب الرسمية التي عرضت عليه لاحقًا.
استجواب تاريخي في البرلمان
أحد أبرز مواقفه البرلمانية الخالدة كان استجوابه الشهير لوزير الأوقاف آنذاك، الشيخ محمد متولي الشعراوي، حين فجر ملف الفساد في هيئة الأوقاف. حينها طالب بمحاسبة الفاسدين بشجاعة قائلاً للوزير في مشهد لا يُنسى:
“السكوت عن الحق يا مولانا… جريمة!”
ولا يزال ذلك الاستجواب من أشهر المحطات في تاريخ البرلمان المصري، حيث واجه عادل عيد ملفات الفساد بلا تردد أو مجاملة.
لا علاقة بالإخوان.. وإنما تيار إسلامي مستنير
في بدايات مشواره السياسي، صنفه البعض خطأ ضمن التيار الإخواني، وهو ما ظل ملتبسًا لبعض الوقت حتى أوائل الثمانينيات حين سقط في إحدى جولات انتخابات مجلس الشعب، بعد أن قامت جماعة الإخوان بدفع مرشحين ضده. حينها أدرك الجميع أن عادل عيد كان يمثل تيارًا إسلاميًا مستنيرًا يعكس صورة عصرية معتدلة للإسلام السياسي، بعيدًا عن أيديولوجية الجماعة.
مواقف لا تُنسى في قضايا الإسكندرية
لم تكن معارك عادل عيد داخل البرلمان فقط، بل امتدت إلى قضايا محلية في الإسكندرية تصدى فيها للسلطة التنفيذية بشجاعة. من بينها معركته الشهيرة مع محافظ الإسكندرية المستشار الجوسقي، حين اعترض على قرار المحافظ بإغلاق شارع ومنحه مجاملة لمنظمة الصحة العالمية، معتبراً أن ما يحدث “اغتيال لشارع”، ورفضه تمرير القرار بشدة.
كما كان من أوائل المطالبين بتطبيق قانون “من أين لك هذا؟” على كبار المسؤولين في الدولة، بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه، ما أغضب السادات وأدى إلى إدراجه ضمن قائمة معتقلي سبتمبر.
وكان يؤمن عادل عيد أن اغتيال السادات في النهاية كان أحد نتاجات هذا العصف بالديمقراطية والقانون.
عاشق لمصر حتى آخر يوم في حياته
ظل عادل عيد حتى آخر لحظة في حياته وفيًا لمبادئه، عاشقًا لمصر، مدافعًا عن القانون والديمقراطية، ومثالاً نادراً للمعارضة الشريفة التي دفعت ثمن كلمتها الحرة في مواجهة كل من تسلطوا على الدولة باسم السلطة أو النفوذ.
وفي ذكراه، يستعيد المصريون سيرة رجل عاش حراً ومات شريفاً.