مقالات وآراء

مي عزام يكتب : مغردون يتساءلون عن مصير “أبو الشباب” ورفاقه بعد وقف إطلاق النار في غزة

 (1) خراب غزة.. مسؤولية من؟

في الذكرى السنوية الثانية لـ«طوفان الأقصى»، وبعد الإعلان عن توقيع اتفاق المرحلة الأولى بين حماس وإسرائيل وفقًا للخطة التي طرحها ترامب لوقف الحرب في غزة، يظل السؤال حول مسؤولية حماس عن خراب غزة وتجويع سكانها وإبادتهم مطروحًا للنقاش على نطاق واسع في الإعلام العربي ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يُحمِّل كثيرون حماس المسؤولية لأنها كانت تدير القطاع عند شنِّ عملية «طوفان الأقصى».

العالم بارك خطة ترامب لأنه لم يعد يتحمّل مزيدًا من مشاهد الدمار والقتل الوحشي الممنهج في غزة، ويريد أن يستريح من الشعور بالذنب. تستبعد الخطة حماس من المعادلة السياسية المستقبلية للقطاع الذي دُمِّر بالكامل تقريبًا، حيث استُشهد نحو 67 ألفًا من أبنائه، وأُصيب ضعف هذا العدد تقريبًا. وبهذه النتائج، تكون حماس قد خسرت رهانها بالكامل، واستُنزفت قوتها العسكرية وكوادرها دون أن تحقق أي نصر ملموس؛ فلا السجون الإسرائيلية أُفرغت من المعتقلين الفلسطينيين، ولا غزة فُكَّ حصارها، ولا حتى ظلت على حالها السابق، بل دُمِّرت تدميرًا شاملًا.

تستشعر حماس المسؤولية اتجاه أهل غزة كما تستشعر القلق بعد أن تفرقت وحدة الساحات بضربات متتالية طالت محور المقاومة، ولم يبقَ سوى الحوثيين الذين يقدمون الدعم لغزة، وقد كلّف هذا الموقف اليمن ثمنًا باهظًا.

لكن حين نتحدث عن حماس لا بد أن نضع معايير متعارفًا عليها بالنسبة لأمثالها من حركات التحرر الوطني والمقاومة، فلم يحدث قط أن تفوقت حركات التحرر والمقاومة على جيوش الاحتلال من حيث القوة العسكرية. واجب حماس يتمثل في الثبات واستمرار المقاومة واستنزاف العدو، ولم تفعل سوى ما هو مسؤولية أي حركة مقاومة مشروعة في مواجهة محتل غاشم.

ولأول مرة منذ تأسيس دولة إسرائيل، انكشف الوجه القبيح لهذه الدولة الطفيلية؛ حيث شاهد العالم جيشها يقتل ويبيد الفلسطينيين بلا مبرر سوى قدرته على ذلك، وتعاملها معهم بعنصرية واستعلاء، دون خوف من عقاب أو ردع ما دامت أمريكا تساندها.

تضررت صورة إسرائيل بشدة على المستوى العالمي، حتى إن كثيرًا من حلفائها الغربيين أصبحوا ينظرون إليها على أنها خطر على الاستقرار العالمي والنظام الدولي الذي تتحداه وتخرق قواعده وقوانينه. وأصبحت المظاهرات المطالبة بوقف الحرب على غزة وتحرير فلسطين مشهدًا يوميًّا، يؤكد أن الضمير العالمي قد أدرك -لأول مرة بوضوح لا لبس فيه- عدالة القضية الفلسطينية، وحق شعبها في وطن حر، ومشروعية مقاومة المحتل، وتكذيب الرواية الإسرائيلية الزائفة التي روّجت لعقود عن «شعب مسالم مطارَد بلا وطن، يستوطن أرضًا بلا شعب، ويعيش في محيط كاره له».

(2) هل انتصرت إسرائيل وهُزمت حماس؟

في الصراع بين المقاومة والمحتل، غالبًا ما يكون البعد المعنوي والرمزي هو الأهم. فحصول المقاومة الفلسطينية على شرعية دولية متزايدة، والضغط الشعبي العالمي على إسرائيل الذي أدى إلى عزلتها بسبب حرب الإبادة التي توثقها وسائل الإعلام العالمية، يُعدّان انتصارًا كبيرًا للمقاومة التي تمثلها حماس في هذه المعادلة.

و«أسطول الصمود» هو أحد تجليات هذا التحول في الرأي العام العالمي اتجاه القضية الفلسطينية، وكذلك اعتراف العديد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية والعودة إلى طرح حل الدولتين والتمسك به باعتباره مسارا وحيدا لاستقرار المنطقة وإحلال سلام دائم وعادل.

تلقّ تنبيهات وتحديثات فورية بحسب اهتمامك. كن أول من يعلم بالقصص المهمة نعم، ابقني مطلعا يظل سؤال النصر والهزيمة محفوفًا بالتعقيد؛ فبينما يتحدث نتنياهو دائمًا عن تمسكه بأهداف الحرب الرئيسية، وأهمها القضاء على حماس وقدراتها العسكرية ونزع سلاحها، نجده لم ينجح في ذلك، فهو لم يحقق نصرًا ساحقًا عليها رغم مرور عامين على الحرب، وقتل الآلاف وتدمير القطاع.

ورغم استنزاف القدرات العسكرية لحماس واغتيال العديد من قادتها، ها نحن نشاهد قادة حماس الذين استهدفتهم الضربات الإسرائيلية في الدوحة يجلسون على مائدة المفاوضات في شرم الشيخ. ويذكر ترامب حماس مرارًا في تصريحاته كطرف أساسي وفاعل في التفاوض، ومطلوب موافقته لتمرير خطته، وهذا اعتراف ضمني بأنها قوة لم تنسحق أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية.

لا يمكن لأمريكا أو إسرائيل أن يحققا مصالحهما في الشرق الأوسط بالقوة العسكرية وحدها؛ فقد عرقلت حرب الإبادة في غزة مسار اتفاقيات أبراهام التي يعوِّل عليها ترامب لاستقرار المنطقة وتغيير وضعها الجيوسياسي لصالح دولة الاحتلال ومخطط الشرق الأوسط الجديد.

والسؤال الآن: بعد الموافقة على خطة ترامب والبدء في تنفيذها، هل ستتمكن حماس والمقاومة الفلسطينية -إذا خرجت من المشهد بعد انتهاء الحرب- من البناء على المكاسب التي حصدتها بتغيير الرأي العام العالمي اتجاه القضية الفلسطينية؟ أم ستنجح إسرائيل في خداع العالم مرة أخرى، وتعيد تلميع صورتها مستعينة بشبكة جماعات الضغط الصهيونية المؤثرة المنتشرة حول العالم؟

(3) بوابة الأمل

كثير من المحللين يتشككون في إمكانية تنفيذ بنود خطة ترامب، ويتوقعون فشل المفاوضات في مرحلة ما مستقبلًا، نتيجة العديد من البنود التي جاءت في الخطة، ومنها استبعاد حكم الفلسطينيين لأنفسهم في غزة، وتأسيس مجلس دولي لإدارة القطاع أشبه بالانتداب الأجنبي الذي شهدته منطقتنا تحت حكم الاستعمار البريطاني والفرنسي، وكذلك نزع سلاح المقاومة، والغموض حول الممرات الآمنة التي ستُفتح لمقاتلي المقاومة، وعدم وجود جدول زمني محدد لانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة بالكامل، وتفاصيل أخرى عديدة.

العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي يتمنون أن يصمد الاتفاق ليضع نهاية لحرب الإبادة في غزة، بالرهان على ضغط أمريكي جاد على حكومة نتنياهو، لكن خداع الأخير وأطماعه، وكذلك تغيّر مواقف ترامب السياسية، يجعلان من انهيار الاتفاق في أي لحظة والعودة إلى القتال احتمالًا قائمًا.

العالم يعيش فترة صعبة يغيب فيها اليقين، وقد تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر في حرب عالمية لحماية نفوذها وزعامتها العالمية المهددة التي ثبت عدم جدارتها بها، فهي صانعة صراعات وحروب لا سلام. والشرق الأوسط سيكون في قلب هذا التحول الكبير، حيث لا تزال التحالفات تتشكل، والأخطار تتكشف، ويظل الأمل معقودًا على أن تصب هذه التطورات في مصلحة الشعب الفلسطيني البطل، الذي يصمد ويقاوم ويتمسك بحقه في حياة حرة كريمة في وطنه، رغم كل المحن والنكبات التي مر بها، وسوف يتأكد المتشككون يومًا أن «طوفان الأقصى» لم يكن سبب خراب غزة، بل بوابة أمل للفلسطينيين وأحرار العالم جميعًا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى