مقالات وآراء

د.حمزة الكناني يكتب: ما بعد الضربة.. لماذا يثبت كل يوم أن الردع النووي ضرورة وجودية؟‏‎

‏‎

‏‎ضربة لتأكيد التفوق… لا لإنهاء التهديد

‏‎لم تكن الضربة الأمريكية للمفاعلات النووية الإيرانية في 22 يونيو 2025 مجرّد ردٍّ تكتيكي بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، بل مثّلت إعلانًا استراتيجيًا صريحًا: أمن إسرائيل فوق كل اعتبار، والتفوق النووي الإسرائيلي سيُحمى، حتى بالقوة.
‏‎لكن هدف الضربة الحقيقي أعمق من ذلك؛ فهو تكريس إسرائيل كسيد أول في المنطقة، لا يُنازعها أحد على النفوذ أو يصنع معها توازناً رادعاً. الهدف الأكبر ليس فقط إزالة أي تهديد وجودي، بل تهيئة الأرض لمشروع “إسرائيل الكبرى” كقوة مهيمنة إقليميًا، وربما منافسة مستقبلية على قطبية النظام الدولي، في ظل انكفاء القوى التقليدية وتراجع البدائل الصاعدة.
‏‎ “القوى العظمى لا تبحث عن التوازن، بل تسعى للهيمنة. ومن لا يملك القدرة على الردع، يتحول إلى ضحية ضمن لعبة القوة.”
— جون ميرشايمر، مأساة القوى العظمى (2001)

‏‎ العِلم لا يُقصف.. والردع المعرفي باقٍ
‏‎حتى وإن دمّرت الضربات منشآت نووية، فإن المعرفة لا تختفي بالقنابل. فالعقول والخبرات تبقى، بل وتزداد إصرارًا في سياقات التهديد والاستهداف.
وهذا يعزز من فرضية أن الردع المعرفي، العلمي والتقني، هو الضامن الحقيقي للاستقلال الاستراتيجي في المستقبل، خاصة في بيئة إقليمية تسير نحو أحادية قطبية إسرائيلية على مستوى الإقليم، وطموح عالمي على المدى البعيد.

‏‎توازن مفقود.. وسيادة منقوصة
‏‎إن استمرار التفرد الإسرائيلي بالقدرة النووية وبدعمٍ أمريكي كامل، دون مشروع ردع إقليمي موازن، يُنتج تبعية استراتيجية وهيمنة غير قابلة للردع. هذا الواقع يقيد استقلال قرار الدول، ويجعلها رهائن لتحالفات غير متكافئة.
‏‎تمامًا كما حدث في التجربة الأوكرانية، حيث كان غياب الردع النووي أحد الأسباب الجوهرية لتجرؤ روسيا على الغزو، رغم وجود ضمانات أمنية شكلية من الغرب، قديمة وجديدة.

‏‎معادلة الردع: أداة سلام لا حرب
‏‎كما ذكرت في مقالي السابق (14 يونيو 2025)، الردع النووي ليس تهديدًا، بل أداة لمنع التهديد. ومن يسعى لتوازن الردع لا يدفع نحو الحرب، بل يحصّن بيئته من الابتزاز والصراعات المفتوحة.
‏‎الشرق الأوسط لا يحتاج إلى مزيد من الهيمنة، بل إلى معادلة توازن لكبح الهيمنة الإسرائيلية، وتحرير القرار الإقليمي من خضوع استراتيجي طويل الأمد.
الردع ليس رفاهية… بل ضرورة وجودية في شرق أوسط تحكمه القوة لا المبادئ.

‏‎الخلاصة
‏‎الضربة الأمريكية لإيران لم تُنهِ التهديد، بل أطلقت مرحلة جديدة من التحدي والتسلح والمعرفة المعاندة. وإذا لم تُفتح من قبل حكومات المنطقة نقاشات جادة حول معادلة ردع عادلة ومتوازنة للجميع، فإن التصعيد لن يتوقف، والتبعية ستترسخ، والسلام سيبقى مؤجلًا.

‏‎في عالم لا تحكمه الأخلاق بل المصالح، من لا يمتلك أوراق الردع، لا يُستشار في خرائط الحرب أو السلام.

‏‎

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى