مقالات وآراء

د.أيمن نور يكتب: ورقة من مذكراتي..تصفير ديوني المؤجلة.. أحمد منصور مجدي خليل

تتراكم ديون الزمن وتتشابك خيوط الذكريات، وقفتُ أتأمل ما تركه القدر في دفاتر حياتي. الديون، ليست دومًا من ذهب أو فضة، بل هي أحيانًا مواقف نبيلة، كلمات صادقة، وقلوب نقية امتدت عبر المسافات لتضيء دروبًا ظننتها منسية.
إنها ديون الوفاء التي لا تُسدد إلا بالامتنان، ولا تُصفّى إلا بقلب يعرف معنى العرفان.
في صباح هادئ، بينما كنت أجوب فضاءات الإنترنت عبر محرك البحث جوجل، كمن يبحث عن كنز مدفون في رمال الزمن، عثرتُ على مقال كأنه مرآة عكست لي وجوهًا لم أرَ نبلها إلا متأخرًا.
مقال كتبه الدكتور أحمدصبحي منصور، ذلك العالم الأزهري الذي عرفتُه وعرفتُ أسرته الكريمة، لكنني لم أعرف يومًا موقفه الشريف المتضامن معي في أيام الاعتقال القاسية عام 2005.
وفي طيات المقال، برز اسم مجدي خليل، الناشط الحقوقي الذي رفع صوته عاليًا، منظمًا مظاهرات وفعاليات تضامنًا معي، في وقت كنتُ فيه محتجزًا خلف جدران السجن، بعيدًا عن أنباء العالم.

كأن القدر أراد أن يذكّرني بأن الحياة، في عمقها، ليست سوى دفتر حسابات روحي، حيث الديون الحقيقية هي تلك التي تُكتب بمداد الإنسانية. كيف لي أن أنسى تلك الأيام التي كنت فيها رهين زنزانة، بينما أرواح حرة كانت تصنع من أجلي جسورًا من الأمل؟ إن الإنسان، في لحظات الضيق، لا يرى إلا ظلمته، لكنه حين يخرج إلى النور، يكتشف أن هناك من كان يحمل له شعلة في الظلام.

هذا المقال، الذي عثرتُ عليه بعد عقدين من الزمان، كان بمثابة رسالة من الماضي، تحمل في طياتها دعوة لتسديد ديون الامتنان لأولئك الذين لم يبخلوا بنبل مواقفهم، رغم اختلاف الرأي أو تباعد الدروب. إن تصفير الديون ليس مجرد فعل مادي، بل هو رحلة روحية عميقة، تتطلب قلبًا سليمًا يعرف كيف يرد الجميل، وروحًا واعية تدرك أن الوفاء هو أعلى مراتب الإنسانية. اللهم، كما ألهمتني أن أعرف ديوني المؤجلة، أعنّي على سدادها، واجعلني ممن يلقونك بقلب نقي، خالٍ من أثقال التقصير. هذه الورقة من مذكراتي ليست سوى محاولة متواضعة لتسجيل لحظة اكتشاف، لحظة أدركتُ فيها أن الحياة، بكل قسوتها، لا تزال تحتفظ بوميض من النبل يستحق الاحتفاء.

نص مقال الدكتور أحمدصبحي منصور كما هو :-
أيمن نور وغزو العراق


1 ـ كنت في زيارة لصديق يملك مكتبًا ضخمًا للنشر في واشنطن. لقيني منفعلاً وهو يقدمني لفتاة ذات ملامح عربية قائلاً: هذه “أنّا” .. ناشطة في حقوق الإنسان” كانت أنّا منشغلة بإعداد لافتات كثيرة مكتوب عليها شعارات لإطلاق سراح أيمن نور. صديقي الأمريكي المتعاطف مع إصلاح الشرق الأوسط ورعاية حقوق الإنسان، أوسع مكتبه الأنيق للفتاة التونسية أنّا لكي تعد ما يلزم من لافتات للمناداة بإصلاح مصر. تذكرت أن الصديق مجدي خليل الناشط القبطي في #واشنطن قد دعاني والعائلة لأتحدث في مظاهرة تقام أمام البيت الأبيض للمطالبة بالإفراج عن أيمن نور، وقال إنه أوكل لشركة متخصصة للدعاية إلى المظاهرة، وستحضرها أجهزة الإعلام الصحفية والتلفزيونية. تحدثت مع أنّا والصديق الأمريكي عن المظاهرة وأملنا أن تحظى بحضور واسع وآثار طيبة يتم على أساسها الإفراج عن أيمن نور وكل المعتقلين بقانون الطوارئ. ضحك صديقي الأمريكي مشيدًا بدور الفتاة التونسية في الدفاع عن أيمن نور، وقال: لو كانت موجودة وقت أن كان صديقك سعدالدينابراهيم في السجن لربما ساعدت بنشاطها في إخراجه سريعًا. 2 ـ في يوم السبت 25 مارس (2006) ذهبنا مبكرًا للساحة المفتوحة أمام البيت الأبيض للمشاركة في المظاهرة الموعودة، كان معي زوجتي وأبنائي. كانت الساحة مزدحمة بالناس، معظمهم أمريكيون من ولايات أخرى معهم أجهزة تصوير، لكن لا يوجد بينهم مصري واحد. بحثت أعيننا عن المظاهر المألوفة لأجهزة الإعلام والصحفيين فلم نجد أحدًا. في النهاية وجدنا مجدي خليل مع أنّا وأربعة آخرين من الرجال والنساء. إذن لم يعد هناك جمهور ولا صحافة ولا إعلام، مجرد حوالي دستة “أشراف” من المصريين عددهم أقل من اللافتات المكتوبة، ونصفهم تقريبًا هم أنا وزوجتي وأولادي. حملنا اللافتات وأخذنا نهتف ونحن نسير ذهابًا وإيابًا أمام البيت الأبيض بينما كاميرات الأمريكيين السياح تتابعنا تسجل بالصوت والصورة. أثناء المظاهرة التحق بنا بعض المصريين، أحدهم جاء خصيصًا من نيويورك، فأصبح بإمكاننا أن نؤلف صفين من المتظاهرين، وهذا نصر ـ لو تعلمون ـ عظيم.
3 ـ أخيرًا رأيت صحفية أمريكية جاءت لتستعلم الأمر. وجدتها فرصة للراحة من المشي والهتاف فانفردت بها بعيدًا عن المظاهرة آملاً أن تكتب عنها فنحقق شيئًا ما. سررت أن الصحفية تعمل في مجلة (weekly_standard) التي تعبر عن المحافظين الجدد الذين يحكمون البيت الأبيض الآن، ومعروف أن هذه المجلة الأسبوعية شديدة التأثير على صانعي السياسة الأمريكية، وتوجد منها نسخة أسبوعية على مكتب الرئيس بوش. ذكرت للصحفية الشابة بعض أصدقائي من الكتّاب الدائمين في (weekly_standard) فازداد اهتمامها بالحديث معي والتعرف إلي. تحدثنا كثيرًا عن أحوال #مصر، وقد كانت طالبة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ولها خلفية بما يحدث.
قلت لها: إن غزو أمريكا للعراق هو السبب في تعطيل الإفراج عن أيمن نور لأن أمريكا الآن في ورطتها في العراق أصبحت محتاجة لعون من الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية، وبالتالي فقد تأجّل موضوع الإصلاح ليفسح الطريق أمام نجدة أمريكا من المستنقع العراقي. أي تعيّن على المناضل أيمن نور أن يدفع الثمن من حريته وصحته”. قالت: ولكن أمريكا قد ذهبت لإقامة الديمقراطية في العراق؟” قلت: قبل إقامة الديمقراطية كنظام حكم لا بد من إقامة ثقافة الديمقراطية بطريقة سلمية بين طوائف الشعب، وهذا ممكن أن يتحقق في #مصر بإرساء حرية الفكر والتعبير والعقيدة والدين، وتطهير النظام القانوني من كل القوانين سيئة السمعة حتى يشعر المثقفون بالأمن، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين. أي لا بد من الإفراج عن #أيمننور وكل العشرين ألف معتقل من كل الاتجاهات كي نقيم إصلاحًا حقيقيًا سلميًا في مصر.

قالت: ولكن معظم المعتقلين من الإخوان المسلمين والإرهابيين؟ قلت: أنا أكبر خصم لهم ولكن لا أرضى بوضعهم في السجون لمجرد العمل السياسي السلمي. وقلت: أمريكا أخطأت بغزو العراق وهي الآن تدفع الثمن، وقد أعلنت هذا هنا في واشنطن في مؤتمرات أمريكية عديدة قبل الغزو وبعده، وتنبأت بالفشل الذي يحدث الآن، وقلت إن العراق سيكون أفظع من فيتنام بالنسبة لأمريكا. قالت: كيف؟ قلت: في فيتنام غابات تقلل عدد الخسائر البشرية بينما العراق مناطق مكشوفة مفتوحة وتجمعات بشرية ضخمة تغري بالعمليات الانتحارية. فيتنام شعب واحد لهم دين واحد، أما العراق فينقسم إلى عناصر مختلفة عنصريًا ودينيًا ومذهبيًا وثقافيًا، وبينهم جميعًا ميراث تاريخي من الاقتتال الطائفي، وقد أفلح بطش صدام حسين في إرهاب الجميع، ثم أدى الغزو الأمريكي إلى رفع الغطاء عن كل هذه الدمامل فانفجرت ووضعت البلاد على شفا حرب أهلية. هذا عن السكان والتاريخ ولكن الجغرافيا العراقية أيضًا تحتم فشل الغزو الأمريكي لأن حدود العراق الطويلة تجعل من العسير ضبطها حتى في الأوقات العادية، ومعظم هذه الحدود تتلامس مع شعوب تكره أمريكا، من إيران وسورية إلى الأردن والوهابيين في السعودية.

ومن السهل تسلل المقاتلين عبر تلك الحدود ليطيلوا أمد الحرب وليزيدوا غرق أمريكا في المستنقع العراقي. قالت: ولكن توجد في العراق الآن بداية نظام ديمقراطي. قلت: هي ناحية إيجابية أخاف عليها من الطائفية والتشاحن بين أرباب الطوائف. أما المشكلة الكبرى فهي قيام أمريكا بتسريح الجيش العراقي فاختفت الأسلحة بعض الوقت ثم ظهرت الآن في أيدي الفرقاء المتصارعين يقتلون أنفسهم بأيديهم في الشوارع والمساجد والمقاهي والأسواق. وقلت: من المضحك أن تذهب أمريكا إلى العراقيين بجيش يحتل بلادهم ليعلمهم الديمقراطية. ساعدوهم أولاً على فهم الديمقراطية من خلال دينهم الإسلامي، وبعدها سيرحبون بكم كأصدقاء.

أما أن تحتلوا بلادهم وتهينوا كرامتهم باسم الديمقراطية فهذا لا ينبت إلا الحرب طويلة الأمد. إن الحرب هي أعتى مشكلة ولا يمكن للحرب أن تكون حلًّا. وفي الإسلام فإن الحرب هي ضرورة استثنائية للدفاع عن النفس حين تتعذر كل الطرق السلمية. قالت: وكيف كان يمكن طرد صدام حسين بدون حرب؟ قلت: كان يمكن ذلك بالضغط عليه وتخويفه والوصول إلى حل وسط معه بأن يترك العراق مع أسرته وأمواله، ثم تقوم حكومة مدنية تؤسس للإصلاح تحت حماية الجيش. لو فعلت أمريكا ذلك لأنقذت سمعتها وآلاف الضحايا من الأمريكيين والعرب، وهذا ما قلته قبل الغزو الأمريكي ولم يلتفت له أحد. وقلت لها أخيرًا: لا أريد لبلدي مصر أن تكون عراقًا آخر.

لا يزال في جعبة أمريكا الكثير من أوراق الضغط على مبارك، منها أرصدته في أمريكا والغرب. لا بد من الضغط على #مبارك ليقيم إصلاحًا سلميًا، ويترك الحكم ويعيش بأسرته في مكان آمن فيما تبقى له من عمر. وبذلك نقيم إصلاحًا بدون دماء. 4 ـ توقعت أن تكتب الصحفية Abby_Levin كل ما قلته عن العراق ومصر وأسس الإصلاح، ولكنها لم تفعل، بعثت لي بالإيميل بما كتبته، وهذه هي ترجمة مقالها في (weekly_standard): (الديمقراطية في وادي النيل) مجموعة صغيرة من المتظاهرين تجمعوا أمام البيت الأبيض يوم السبت الماضي لمناصرة الإفراج عن السجين السياسي المصري أيمن نور. حملوا لافتات ورددوا (أوقفوا دعم مبارك، أوقفوا دعم الديكتاتوريين، أفرجوا عن أيمن نور). المجموعة المتظاهرة كانت من ضمنها الدكتور احمدصبحي منصور وأفراد عائلته. منصور هو مفكر مصري وزميل أيمن نور، وكان قد تعرض للسجن في مصر قبل سفره للولايات المتحدة وحصوله على اللجوء السياسي في سنة 2002، #منصور ضمن مجموعة كبيرة تضم سياسيين وباحثين وصحفيين تعرضوا للسجن بسبب انتقاد النظام والدعوة إلى الإصلاح. من هو أيمن نور؟. الحكومة المصرية سوف تقول إنه مجرم قام بتزوير مئات من التوقيعات حتى يحصل على الموافقة الرسمية لحزبه الليبرالي العلماني (الغد). مناصرو أيمن نور يقولون إنه سياسي ذو كاريزما وضع في الحبس خلال سنة الانتخابات التعددية حتى يستمر الرئيس مبارك في حكمه. في أكتوبر 2004 قبل أي اتهامات ضد نور، كان نور عضوًا في البرلمان المصري وانتخب رئيسًا لحزب الغد الذي حصل قريبًا على الاعتراف الرسمي.

الحزب يدعو إلى حقوق المرأة والسوق الحرة وإصلاح الدستور. ودعا نور – بوصفه رئيسًا لحزب الغد ـ إلى تقليل صلاحيات الرئيس المصري. كان هذا بمثابة تحدٍ لـ#مبارك الذي ما زال رئيسًا لـمصر منذ 25 عامًا، ظل خلالها في موقع القوة، وتعلق جميلةاسماعيل زوجة أيمن نور بقولها على نظام مبارك “ديمقراطية الزهايمر”. وعلى الرغم من أن #نور قد حكم عليه بالحبس خمس سنوات في ديسمبر 2005، فإن معاركه القانونية قد بدأت بعام قبلها. في صباح السبت من يناير 2005 قرر البرلمانيون المصريون حرمان أيمن نور من حصانته. علم نور بالاجتماع قبل نصف ساعة من بدايته وهم بالتوجه إلى البرلمان ليجد الاجتماع قارب على النهاية والبوليس في انتظاره للقبض عليه بتهمة التزوير، وظل في الحبس لمدة 45 يومًا، وخلالها أعلن مبارك قيام أول انتخابات ديمقراطية رئاسية في الخريف. وعقب الإفراج عنه قام بالترشيح مع 9 مرشحين غيره للرئاسة. وحصل نور على المركز الثاني بنسبة 7%، بينما قالت المصادر المستقلة إنه حصل على 13%.

الانتخابات لم تكن نموذجية حيث قتل 10 أفراد في أعمال عنف متعلقة بالانتخابات، وتشير المصادر إلى قيام قوات أمن الدولة بمنع البعض من الإدلاء بأصواتهم، إلى جانب القبض على نور. القبض على نور جاء في لحظة مناسبة لـمبارك، وقد علّق عليه المتحدث باسم الولايات المتحدة بقوله إن التوقيت لم يكن ملائمًا، فقد خسر جميع مرشحي حزب الغد، ويؤكد نور إنها حركة متعمدة من الحزب الوطني برئاسة مبارك فقد صدرت التعليمات من أعلى المستويات بعدم فوز حزب الغد بأية مقاعد. في الشهور السابقة للانتخابات كان على نور مهمة مضاعفة تضم الترشيح والمحاكمة، ويقول نور إنه لم يعرف المتهمين معه الذين ادعوا أنهم ساعدوه في تزوير التوقيعات في تأييد حزب الغد.

وعقدت الجلسات الأولى في قاعة محكمة صغيرة مليئة بقوات الأمن حتى يمنعوا الصحفيين من الحضور. القاضي عادل عبدالسلام جمعة رئيس المحكمة يطلق عليه نشطاء حقوق الإنسان لقب قاضي النظام، وقد رفض جمعة طلبات الدفاع بالحصول على الوثائق التي يدعون تزويرها أو حتى نسخة منها. أحد المتهمين (أيمن اسماعيل حسن) سحب اعترافه خلال المحاكمة قائلاً إن أمن الدولة هي التي أجبرته على الاعتراف، ورفض رئيس المحكمة تدوين سحب الاعتراف في محضر الجلسة، وبعد عدة طلبات سمح بإضافته أخيرًا، ولكن رفض طلب حسن بالحماية قائلاً إن أي شيء يحدث خارج المحكمة ليس من مسؤوليته. وقد علق جوزيفستورك نائب رئيس #هيومانرايتسواتش في الشرق الأوسط على المحكمة قائلاً (إنها أسوأ دعاية لأجندة مبارك الإصلاحية المزعومة، وأسوأ دعاية للقضاء المصري). إن الحكومة المصرية لا تسمح أن يتم انتقادها. الشخصيات التي تمثل تهديدًا للنظام مثل نور يتم إسكاتهم بحدة. متظاهرو نور أمام البيت الأبيض دعوا إدارة بوش إلى الضغط على الحكومة المصرية من أجل إطلاق سراحه، لم يكفهم قيام الولايات المتحدة بشجب حبس نور. ويشجع المتظاهرون قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات ضد الحكومة المصرية، ويعلق على هذا مجدي خليل المساعد في تنظيم المظاهرة بقوله “إن أمريكا لها ورقة ضغط قوية على مصر: هي المعونة الأمريكية” ومن غير المرجح أن تقوم أمريكا بذلك، على الرغم من أن حبس نور قد أجل مفاوضات التجارة بين مصر وأمريكا لأربعة أشهر، حيث إن إدارة بوش قد تراخت في موقفها من قضية أيمن نور في الشهور الأخيرة حيث وصفت كوندوليزارايس موقف اتخاذ نور أنه “عائق”. وفي الشهور القادمة يتعين على الإدارة الأمريكية تقييم كيفية مخاطبة موقف أيمن نور بطريقة تساير أجندتها الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط بغض النظر إن كان يعني الصمت أو غيره.) انتهى المقال، وهذا هو الرابط لمن يريد قراءة النصّ الإنجليزي:


http://www.weeklystandard.com/Content/Public/Articles/000/000/012/034kggwf.asp?pg=1 5 ـ

نعود إلى مظاهرة السبت العجيبة. فبعد حوالي ثلاث ساعات من السعي ذهابًا وإيابًا وهتافًا في طقس شديد البرودة انفض الجمع الضئيل وبقيت مع أسرتي في الحديقة المجاورة. جلست متعبًا مرهقًا مع زوجتي وابني الأكبر #محمد بينما أخذ بقية أولادي يلعبون الكرة. أخذت أفكر فيما فعلته بنفسي؛ شيخ أزهري مثلي يلزم بيته معظم الوقت يكتب ويقرأ ويبحث ويجتهد، ولكن يتحامل على نفسه ـ وهو يقترب من الستين ـ ليسير في مظاهرة ضئيلة في الصقيع القارص في واشنطن يهتف مطالبًا بالإفراج عن المعتقلين ظلمًا في وطنه، بينما آلاف الشيوخ في دفء القاهرة ينعمون بعطايا السلطان ويهتفون باسمه في غرف أجهزة الإعلام المكيفة لا يؤرقهم صرخات المظلومين ولا آهات ذويهم المنكوبين. وددت لو كنت في مظاهرة حافلة حاشدة تستحق حضوري، أو على الأقل تحضرها أجهزة الإعلام من صحافة وتلفزيون. إن صديقي الأمريكي الفلسطيني الأصل كمال نعواش رئيس منظمة “تحالف المسلمين الأحرار ضد الإرهاب” أقام مسيرة في واشنطن في الصيف الماضي، كان عدد الحاضرين من الصحفيين والمصورين أكبر من عدد الحاضرين من المسلمين، بل كان معظم الحاضرين من المتحدثين أصلًا، وكنت من بينهم. وقد نشرت أجهزة الإعلام الأمريكية ما قلناه فوصل إلى مئات الملايين من المتحدثين بالإنجليزية، وظل #كمالنعواش ضيفًا على الإعلام الأمريكي بعدها مدة أسبوعين. أي إن الإعلام الأمريكي بحضوره قد عوّض نقص الحاضرين من المسلمين الأمريكيين. بل إننا جعلنا هذه النقطة في صالحنا حين كررنا أنه لو كانت هذه مظاهرة تنظمها مؤسسة (كير) المؤيدة للوهابية في أمريكا لحشدت لها آلاف المسلمين الأمريكيين من المساجد الأمريكية، وهذا دليل لنا يؤيد وجهة نظرنا في ضرورة إصلاح فكر المسلمين الأمريكيين من داخل الإسلام. نجحت مظاهرة كمالنعواش برغم قلة من حضر من المسلمين لأنه استجلب الصحافة والإعلام بينما فشلنا في استجلاب الإعلام والناس. وبقي السؤال حائرًا: لماذا نفشل ـ نحن المصريين ـ دائمًا، حتى في الإعداد لمظاهرة في عاصمة المظاهرات في العالم؟ أثناء التفكير لمحت اثنين من الشباب بملامح مصرية يأتون نحونا بسرعة كما لو كانوا يريدون اللحاق بأتوبيس العتبة. تعرفهم بسيماهم حتى لو كانوا وسط مليون شخص، نظراتهم الزائغة ولفتاتهم المريبة تؤكد أنهم من المخابرات المصرية. فاتهم حضور المظاهرة وجاءوها متأخرين على العادة المصرية الخالدة في التأخر عن كل موعد. انهالوا علينا مباشرة بأسئلة عن المظاهرة ومن شارك فيها وماذا كانوا يقولون وهل شارك فيها حزب الغد. تلاعب بهم ابني محمد بالكلام بينما ظللت أحدق فيهم وفي خيبتهم الثقيلة. فطنوا إلى أننا كشفنا حقيقتهم فتلعثمت عيونهم تتنقل بيني وبين ابني. جاء دور محمد فأخذ يستجوبهم: من أنتم ومتى جئتم من مصر ولماذا هذا الاهتمام بالمظاهرة. لملموا بقايا الحرج والكسوف وانصرفوا. عدت للتساؤل: لماذا تلاحقنا الخيبة ـ نحن المصريين ـ من دون باقي البشر؟ خيبة في الإعداد للمظاهرة، وخيبة حتى في مراقبتها؟ هل لأننا منذ خمسين عامًا نعيش في خيبات لا تنقطع؟ هل لأن الخيبة تأصلت في رأس السمكة ثم انتقلت للجميع من الحكومة إلى المعارضة؟ والى متى يظل المعتقلون المظلومون أمثال أيمن نور يدفعون ثمن خيبتنا وسكوتنا؟ هل لا بد أن يكون أيمن نور لاعبًا شهيرًا في الأهلي أو أن يكون نجم غناء مثل شعبولا أو نجم تمثيل مثل أحمدزكي أو سعادحسني حتى تقوم من أجله المظاهرات؟ إن القاهرة تمتلئ بمئات الألوف من المتظاهرين إذا فاز الأهلي على الزمالك، وامتلأت بآلاف المتظاهرين في جنازة أحمدزكي وجنازة سعاد حسني، والقاهرة على استعداد للتظاهر إذا ماتت فيفي عبده أو حتى نجوى فؤاد، بل إن القاهرة على استعداد للتظاهر إذا تكرمت الأخت الفاضلة نانسيعجرم بعقد مؤتمر صحفي في ميدان التحرير. لكن القاهرة ـ قاسية القلب ـ لا تسيل لها دمعة على أيمن نور وضحايا السجون والمعتقلات.!!
6 ـ والعاقبة عندكم في .. المظاهرات ..!!
واخيراً
اقول للدكتور احمد منصور

وفاء للنبلاء
كأن الزمن، في غفلة منا، يرسم لنا خرائط جديدة للعودة إلى أنفسنا، إلى تلك اللحظات التي كنا فيها غائبين عن وعي النبل الذي أحاط بنا. هذا المقال، الذي عثرتُ عليه كما يعثر المسافر على رسالة في زجاجة على شاطئ الزمن، لم يكن مجرد كلمات، بل كان جسرًا عبر السنين، يربطني بأرواح لم تتردد في رفع صوتها حين كان صوتي محبوسًا خلف القضبان. أحمد صبحي منصور، مجدي خليل، أنّا، وكل من سار في تلك المظاهرة المتواضعة أمام البيت الأبيض، كانوا كالنجوم في سماء ليل دامس، لا ترى عيناك ضوءها إلا حين تتأمل بعمق. إن الوفاء لهم ليس مجرد كلمات شكر، بل هو دعوة لنا جميعًا لنستيقظ من غفلتنا، لنعيد النظر في ديوننا المؤجلة، تلك التي تتراكم في دفاتر ضمائرنا دون أن ندرك.
إن القاهرة، بقلبها القاسي كما وصفها منصور، ليست مجرد مدينة، بل هي رمز لأمة تحتاج إلى استفاقة. أمة تحتاج إلى أن تتذكر أن دموعها يجب أن تسيل للمظلومين، لا لنجوم الملاعب أو أضواء المسارح. إن الحرية ليست مجرد شعار، بل هي مسؤولية، واجب يقع على كل قلب ينبض بالإنسانية. فلنكن ممن يسددون ديونهم الروحية، ولنكن ممن يحملون شعلة الأمل لمن هم خلف القضبان، ولنكن ممن يصنعون التاريخ لا بصمتهم، بل بصوتهم. اللهم، اجعلنا من الشاكرين، ومن الموفين، ومن الذين يلقونك بقلب سليم، نقي من أدران التقصير، ممتلئ بنور الوفاء.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى