مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: السلام كذبة مريحة والعدل المسلح هو آخر شرف باقٍ

كفانا دفنًا لرؤوسنا في رمال البلاغة المهذبة. العالم لا يُدار بالمبادئ، بل بالمدافع. من لا يملك القوة يُسحق، ومن يطلب الرحمة من جلاده، يُهان أولًا ثم يُمحى.

ولست هنا أبحث عن جدل فلسفي، بل أكتب لأننا نعيش في عصر أصبح فيه الوهم قيمة، والضعف حكمة، والانبطاح سياسة.

دعوني أضع الأمور كما هي: لا قيمة للسلام إذا جاء على أنقاض الكرامة، ولا وزن للحياد إذا كنت أعزل في وجه ذئاب لا تميز بين ضحية وخصم.

كل ما يُروّج من خطب تتغنى بالنوايا الحسنة ما هو إلا مخدر جماعي تُحقن به الشعوب حتى تنام، ثم تستيقظ على وقع الاحتلال أو الانهيار.

أقولها بصوت واضح لا يرتجف: العالم لا يحتاج لمزيد من دعاة السلام، بل لصُنّاع عدالة مسلحة .. لا تلك العدالة الناعمة التي تتوسل اعترافًا من قاتل، بل العدالة التي إذا نطقت، ارتعد الطغاة.

نحن نعيش في لحظة لا تنفع فيها الأماني، بل يُحتَرم فيها من يملك الردع قبل التفاوض، والصاروخ قبل البيان.

انظروا كيف تُدار الصراعات: من الذي يوقف التوسع الروسي؟ من الذي يمنع الصين من اجتياح محيطها؟ من الذي يفرض حدود الدولة؟ إنه السلاح، ثم السلاح، ثم الرغبة الحقيقية في استخدامه.

بيانات الأمم المتحدة؟ مجرد ضجيج بلا تأثير. صور الأطفال الجياع؟ أوراق دعائية لن تغير شيئًا .. أما الطائرات المسيّرة؟ هي التي ترسم اليوم خرائط النفوذ.

كل أمة تخلت عن سلاحها انهارت .. كل دولة غفلت عن أن العدالة بدون أنياب تتحول إلى عبودية جديدة، أصبحت مقبرة لأحلامها.

والأنكى من ذلك، أن نفس القوى التي تنادي بالسلام، تبيع السلاح، وتشعل الحروب، وتراكم ثرواتها فوق جماجم الأبرياء.

لم تعد القضية تحتمل الحياد .. نحن في مواجهة مفتوحة مع عالم لا يحترم إلا مَن يفرض إرادته .. من لا يفهم هذه الحقيقة يستحق ما سيأتيه من خذلان وسحق ودمار. الحياد وهم، والسلام المطلق خيانة مموهة، والمبادئ بدون قوة لا تساوي الحبر الذي تُكتب به.

وما نشاهده اليوم من ترويج لفكرة نزع السلاح، ووقف الحروب، ليس إلا محاولة لإخضاع الأمم الطامحة، وتحويلها إلى توابع في فلك الأقوياء، يريدونك ضعيفًا ثم يُخبرونك أن الضعف فضيلة .. يريدونك منزوع الإرادة، ثم يُهدهدونك بأنك “حضاري”.

فلتكن الكلمات الأخيرة وضوحًا كاملاً: لا تتحدث عن السيادة ما لم تمتلك أدوات حمايتها .. لا تدّعِ الدفاع عن وطن، وأنت لا تستطيع قصف من يحاصره.

لا تصرخ من ظلم، وأنت لا تملك ما يكسر يد الظالم، كل من نادى بالسلام دون أن يُسلّح عدله، كان شريكًا في الجريمة، ولو بالصمت.

من أراد أن يعيش حرًّا، عليه أن يُصبح خطرًا على من يُهدده .. لا كرامة لشعب أعزل .. ولا بقاء لدولة رخوة .. إما أن تمسك زمام المعادلة، أو تصبح هامشًا في دفتر المصالح الدولية.

إن العدل الحقيقي لا يُولد في غرف المؤتمرات، بل في مصانع السلاح، وفي عقول تعرف كيف تستخدمه، ومتى تضغط الزناد .. أما الشعارات، فاتركوها للمخطوفين في وهم الإنسانية، فهم أول من يُباع حين تبدأ الصفقة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى