
في خضم الأزمات التي تعصف بالعالم العربي والإسلامي، وتحت وطأة الاستبداد والاحتلال والتبعية، يبرز سؤال محوري: ما السبيل إلى الخروج من هذا النفق المظلم؟ هل هو بالثورات الفوقية؟ بالمبادرات السياسية؟ بالمفاوضات؟ أم بشيء أعمق وأبقى؟.
إن الإجابة الكبرى التي يُجمع عليها التاريخ والشرع والعقل هي: بناء الإنسان أولاً، أو كما سمّيناه في هذا المشروع: تكوين “جيل النهضة”.
“أزمة الأمة في الإنسان لا في الموارد”
الأمة الإسلامية ليست فقيرة في ثرواتها ولا في موقعها الجغرافي ولا في تراثها العلمي والحضاري. لكنها مبتلاة بأزمة قيادة وأزمة وعي. نحن نعيش فراغًا في النخبة المؤمنة الواعية القادرة على حمل مشروع تحرري شامل.. وهنا تأتي فكرة “جيل النهضة” لتكون أكثر من مجرد عنوان تربوي، بل مشروعًا سياسيًا استراتيجيًا طويل النفس.
جيل النهضة من الفرد إلى الأمة لا يُصنع عشوائيًا، بل عبر مشروع متكامل يقوم على:
التأسيس العقدي والروحي ليكون
الولاء لله لا للطاغوت.
التكوين الفكري والمعرفي ليحصن الشباب من التغريب والانحراف.
التأهيل القيادي والعمل الجماعي لبناء فرق وكيانات قادرة على الفعل والتغيير.
وزرع الهمّ السياسي والوعي الحضاري ليعرفوا دورهم تجاه فلسطين، والهوية، وحرية الأمة.
وهذا يدعونا للسؤال المباشر لماذا الشباب؟ ولماذا الآن؟.. نرد بوضوح: لأن التغيير يبدأ دائمًا من القاعدة، ولأن الشباب هم الوقود الحقيقي لكل نهضة. ولأن الأنظمة الحاكمة تدرك هذا، فهي تسعى إلى قتل الروح في الشباب وتشتيت وعيهم عبر منصات العبث والإفساد. فهل نواجه هذا التحدي بالبيانات، أم نبدأ ببناء الجيل من جديد؟
“جيل حماس.. من أحضان الانتفاضة إلى قيادة المواجهة”
وإن كنا نبحث عن تجسيد حي لفكرة “جيل النهضة” في واقعنا المعاصر، فلننظر إلى أولئك الأطفال الذين كانوا يلعبون في أزقة غزة حول الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، ويسمعون صوته الضعيف لكن الواثق، ويحملون في قلوبهم بذور الكرامة والحرية…
هؤلاء الأطفال، هم اليوم شباب حماس، هم جيل القسام، هم من يواجهون آلة العدو الصهيوني بكل ما تملك من تكنولوجيا وتجسس وطائرات ودعم غربي…
هم الذين خرجوا من رحم الانتفاضة والحصار والدمار، يحملون إرثًا من الإيمان والعقيدة والتربية الجهادية، وها هم اليوم يخوضون معركة الإرادة والصمود، منذ أكثر من 18 شهرًا في وجه أعتى آلة عسكرية في الشرق الأوسط، بإيمان لا يلين، وصبر يربك العالم.
هذا الجيل لم يتخرج من كليات السيادة، ولا من مدارس الرفاه، بل من مدارس الحصار والقصف والركام.. لكنه تشكل على عين الله، وفي محاضن التربية الإيمانية، ومناهج العمل الجماعي، فصار جيلًا لا يُقهر، ومثالًا معاصرًا لما يمكن أن تصنعه العقيدة والتربية والرؤية الثاقبة.
“جيل جديد.. مشروع تحرر جديد”
جيل النهضة ليس جيلًا نظريًا، بل امتدادٌ لفتية الكهف، ولأمثال:
أسامة بن زيد قائد جيش الرسول وهو ابن 18 عامًا.
مصعب بن عمير أول سفير للإسلام في المدينة.
محمد الفاتح فاتح القسطنطينية في شبابه.
وهم ليسوا من الماضي فقط. بل يمكن أن نعيد إنتاج هذا الجيل في جامعاتنا ومساجدنا ومراكزنا الدعوية والتربوية.. شرط أن نملك الرؤية والعزيمة والخطة.
ختاما: بناء جيل النهضة ليس ترفًا فكريًا، بل هو أولوية سياسية وتربوية واستراتيجية. فمن لا يملك جيله، لن يملك قراره. ومن لا يملك وعيه، سيظل يدور في حلقة الاستبداد والتبعية.
فلنبدأ من الجذور، ولنعد إلى الفكرة التي لا تموت: النهضة تبدأ من الإنسان.