
أكتب هذه الكلمات من قلبٍ مصري لا يعرف إلا الانتماء، ومن إحساس ثقيل بالمسؤولية تجاه بلدٍ عزيز، عشت فيه عمرًا كاملًا، وُلدت فيه قبل 50 عامًا وتربيت على ترابه، وتشكل وعيي بين ناسه وهمومه وأحلامه.
هذا الوطن لم يكن لي مجرد خريطة، بل هو الجذور والهوية، والسبب الأول والأخير وراء كل كلمة أقولها. أنا لا أكتب خصومة، بل أكتب وفاءً .. ولا أصرخ في وجه الدولة، بل أناديها من موقع المحبّ الخائف عليها.
نريد لوطننا الحبيب مصر أن يعبر بأمان إلى المستقبل، لا أن يتوه في طرقٍ مغلقة تُكرر نفسها. ليست هذه دعوة للخصومة مع أحد، بل وقفة صريحة مع النفس والوطن، من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن يبتلعنا التكلّس والركود.
الانتخابات القادمة في مصر – كما يراها كثير من الناس في الشارع – لا تُقنعهم بأنها تمثّلهم، ولا تُشعرهم بأنها تعنيهم. الصناديق أصبحت، في نظر قطاع واسع من المواطنين، شكلًا بلا مضمون، ومناسبة تُعاد دون أن تتغير معها النتائج أو التوازنات أو طبيعة المشهد. الخطر هنا ليس على المعارضة ولا على الحكومة، بل على جوهر الفكرة الديمقراطية نفسها، وعلى العلاقة بين المواطن ودولته.
ما يقلقني حقًا – بصفتي مواطنًا أولًا، وراغبًا في المشاركة السياسية ثانيًا – هو أن الفجوة بين الناس وصناديق الاقتراع تكبر كل دورة، والثقة التي يجب أن تُبنى على الشفافية والمشاركة تتحوّل إلى شكوك، وصمت، ولا مبالاة. فمتى فقد الشعب اهتمامه بالانتخاب، فهذه ليست مشكلة الناخبين، بل إنذار يجب أن يُقرأ جيدًا من كل من بيده القرار.
لا يمكن أن نقنع الناس بالمشاركة، بينما يشعرون أن لا أحد يسمعهم. ولا يمكن أن نتحدث عن شرعية حقيقية إذا كان جمهور العملية غائبًا، إما بالإحباط، أو بعدم الاقتناع، أو لغياب منافسة تعطي للانتخابات معناها الجوهري.
وليس المطلوب أن ننتقد من أجل النقد، أو نصرخ لمجرد الصخب، بل أن نعيد الاعتبار للسياسة كأداة راقية لتنظيم الحياة العامة، وأن نعيد تشكيل العلاقة بين الدولة ومواطنيها على قاعدة الاحترام المتبادل، وليس على مجرد الإجراءات الشكلية.
الوطن لا يُبنى بالسكوت، ولا يستقيم إذا تحوّلت العملية الانتخابية إلى طقس إداري يتم كل بضع سنوات لمجرد تثبيت الوضع القائم. بل يُبنى بالتجديد الحقيقي، وبالمنافسة النزيهة، وبالسماح لكل صوت وطني أن يُعبّر عن نفسه في العلن، لا خلف الأبواب أو في صمت الهمس.
نحن لا نقلق على الدولة، بل نحرص عليها. لا نهاجم المؤسسات، بل نطالب بتحصينها بثقة الناس لا بالخوف منهم. ولا نشكك في نوايا أحد، لكننا نضع أيدينا على الجرح، لأننا نرفض أن تُترك مصر في حالة فراغ سياسي مقلق، أو عزوف شعبي مرير.
إذا كنا نريد مستقبلًا يليق بمصر، فعلينا أن نراجع واقعنا، بصدق لا بخوف. فالشرعية لا تُولد من الحشد القسري، بل من الحضور الطوعي الواعي. والسياسة ليست بقاء من في السلطة فقط، بل تداول الأفكار، وتجدد الدماء، وفتح المجال أمام الكفاءات والمبادرات الصادقة.
لقد آن الأوان لأن تعود مصر إلى الناس. وأن يشعر كل مواطن أن صوته ليس شكليًا، ولا محسومًا سلفًا، بل له قيمة وقدرة على التأثير. هذا ليس حلمًا، بل حق أساسي في أي وطن يسعى إلى الاستقرار الحقيقي، لا الاستمرار الخادع.
الانتخابات القادمة يمكن أن تكون بداية، إذا قررنا أن نجعل منها لحظة إصلاح حقيقية. ويمكن أيضًا أن تتحول إلى تكرار، إذا أصررنا على إغلاق النوافذ، وكأن شيئًا لم يكن.
أنا أكتب لأنني أحب هذا البلد، وأريده أقوى، لا أكثر انغلاقًا. أريده أصدق، لا أكثر تصنّعًا. أريده وطنًا لكل من فيه، لا منصة يحتكرها من اعتاد أن يتكلم وحده.
ولأنني ابن هذا الوطن، نشأت فيه منذ خمسة وثلاثين عامًا، أعرف طين أرضه ونبض شوارعه، لا أستطيع أن أصمت. علّمتني مصر أن الانتماء ليس شعارًا، بل موقف. وأن من يحب بلده لا يتركه يضل الطريق، حتى لو كلّفه ذلك مشقة، أو دفع ثمنًا.
أكتب الآن لا طلبًا لمنصب، ولا بحثًا عن شهرة، بل إيمانًا بأن من نشأ في قلب هذا الشعب، لا يخذله حين يُنتظر منه أن يقول كلمة صدق. وإن كنت أخوض هذا الطريق، فلأني أؤمن أن الإصلاح ممكن، والتغيير شريف، والإنقاذ ليس مستحيلًا… إذا امتلكنا شجاعة المواجهة وصدق النية.