د. أيمن نور يكتب: النتيجة الحقيقية لحرب الأيام الـ١٢: إيران تنتصر.. وإسرائيل تنكشف

لم تكن حرب الأيام الـ١٢ سوى اختبار كاشف لحقيقة موازين القوى في المنطقة، وفضيحة موثقة في أرشيف التاريخ لعجزٍ إسرائيليٍّ غير مسبوق، وتراجع أمريكيٍّ محسوبٍ باضطرار لا باختيار.
سعت واشنطن ومعها تل أبيب، على عجل، لفرض هدنةٍ بشروط الخائف لا المنتصر، بعد أن تكبّدت آلة الحرب الصهيونية خسائر في العمق المدني والعسكري والنفسي، ووجدت نفسها أمام صواريخ إيران تُحدث نزيفًا صامتًا في الداخل الإسرائيلي، وتجبر عشرات الآلاف من المستوطنين على النزوح، في مشهد لم تعرفه تل أبيب منذ نشأتها.
نتنياهو، وقد استشعر حجم الفشل والخذلان، لم يجد أمامه إلا أن يمد يده، مرةً أخرى، نحو صديقه ترامب، ليُشغّل شبكة وساطاته القديمة والجديدة، عربيًّا ودوليًّا، علّه يُخرج الكيان من ورطة صنعها بغروره الأمني وغطرسته العسكرية، دون أن يُحقق هدفًا واحدًا: لا وقف لتخصيب اليورانيوم، ولا زوال لما يسمّيه بـ”نظام الملالي”.
هذه الحرب أثبتت ما قلناه مرارًا: إن إسرائيل لم تعد قادرة على خوض حرب طويلة، ولا تحمّل استنزاف ميداني أو معنوي. فهي تُجيد إطلاق الرصاص، لكنها تجهل كيف توقف نزيفها حين يعود الرد في العمق.
لقد انكشفت حقيقة الجيش الإسرائيلي: طائرات لا تحسم، ودرعٌ لا يصدّ، وقادةٌ يبيعون الوهم لمجتمع هشّ يرتجف عند أول قصف حقيقي. أما إيران، فقد أظهرت – بخياراتها الاستراتيجية – أنها تمتلك مفاتيح الردع، من استهداف القواعد الأميركية، إلى تهديد مضيق هرمز، مما أجبر الجميع على التفكير ألف مرة قبل الضغط على الزناد مجددًا.
هذا ليس مجرد “تعادل سلبي”، بل هو نصر معنوي لمن صمد، وهزيمة استراتيجية لمن راهن على الحسم الخاطف. الحرب لم تُنهِ نظام طهران، لكنها كادت تزلزل الثقة داخل تل أبيب، وتفتح أبواب السخط الشعبي على #نتنياهو، وحكومته التي فشلت في إدارة المعركة، كما فشلت في تبرير أسبابها.
أما النتيجة الأوضح، فهي أن الكيان الذي لطالما ظنه البعض “الجيش الذي لا يُقهر”، ليس سوى “نمر من ورق”، كما وصفه #ماوتسيتونغ ذات يوم. النصر لا يُقاس بعدد الطلعات الجوية، بل بصلابة الإرادة، ومتانة النفس الطويل، وهي أمور لم تكن يومًا من خصال هذا الكيان.
١٢ يومًا كانت كافية ليفهم الجميع أن “الحروب الصغيرة” قد تُنتج نتائج كبرى، وأن “الهدوء” الذي تلهث له إسرائيل اليوم، إنما هو الهدوء الذي يُسبق عاصفة داخلية قد تطيح برأس القيادة السياسية في تل أبيب، وتعيد خلط الأوراق إقليميًّا.
بقي أن نسأل: ماذا لو انتصرت إسرائيل؟ هل كانت ستتوقف عند حدود إيران؟ أم كانت ستنطلق شرارتها القادمة في اتجاه غزة أو بيروت أو حتى القاهرة؟!
إن كبح جماح العدوان الإسرائيلي ليس نصرًا لإيران وحدها، بل هو انتصار لكل من يخشى أن تستفرد بنا “إسرائيل المنتشية”، بعد أن تتحول من نمر جريح إلى وحش منفلت.
هذه ليست دعوة للانحياز، بل للإنصاف… ومن لم يقلها صراحةً: “إسرائيل لم تنتصر… وإيران لم تُهزم”، فليُراجع خارطة الوعي قبل أن يراجع خرائط السياسة.